على رغم اعتراف المتابعين للأزمة السياسية اللبنانية بأن الانتخابات الرئاسية غير ممكنة حالياً في جو من التوتر الإقليمي والدولي، وعلى رغم اعتراف الاطراف في الداخل بأن هذه الانتخابات وضعت في الثلاجة في انتظار حدث ما قد يعيدها الى ساحة التفاوض للتوصل الى تسوية نتيجتها سلة متكاملة من ضمنها انتخاب رئيس للجمهورية بعد مرور نحو عشرين شهراً على الفراغ الرئاسي، وبعد اعتراف اللاعبين الإقليميين بأن ملء هذا الفراغ أصبح ضرورياً لأن ما يحدث في المنطقة من تطورات سلبية عامل ضاغط على هذه الانتخابات، أضف الى ذلك انهيار الوضع الاقتصادي الداخلي الذي يهدد الاستقرار الاجتماعي، على رغم كل ذلك، لا تزال التسوية التي طرحها الرئيس سعد الحريري والنائب فرنجيه لانتخاب الأخير رئيساً للجمهورية قائمة، والملف فتح ولن يقفل قبل انتخاب رئيس. والواقع أن وجود الرئيس اليوم، أكثر من أي وقت مضى، عنوانه المحافظة على ميثاق العيش المشترك لحماية التنوع اللبناني. وهذا معناه أيضا توصل الأطراف الى انتخاب رئيس توافقي. لكن الثقة المفقودة بين اللاعبين في الداخل جمدت هذه التسوية التي يرفض طرفاها إسقاطها، بل يتابعان تسويقها محليا ودوليا، على رغم وضعها في غرفة الانتظار، لانها ما زالت حتى الآن المبادرة الوحيدة المطروحة لتأمين انتخاب رئيس.
وفي انتظار إعلان رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع نيته تأييد ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة، ضمن توافق مسيحي، في مقابل ترشيح الحريري لفرنجيه، فإن هذا الطرح لا يشكل حلاً للأزمة الرئاسية، لأن عون ونواب "التيار الوطني الحر" لن يشاركوا في أي جلسة انتخاب سوى بعد ضمان انتخاب زعيم التيار، وهذا السيناريو غير متوافر حتى الآن.
والسؤال: هل تجميد "حزب الله" المبادرة يعني أنه يرفض فكرة إعادة الرئيس الحريري الى رئاسة مجلس الوزراء؟ أم أن المحور الإيراني لم يقرر بعد فصل الانتخابات الرئاسية عن الأزمة السورية لأنها تشكل بالنسبة اليه ورقة ضغط خلال المفاوضات؟ ويؤدي ذلك الى تأجيل سد الفراغ الرئاسي الى امد غير محدد حتى الآن، لأنه مرتبط بالحل في سوريا، وهو ما يحتاج الى عصا سحرية، وفي أحسن تقدير لن يتم قبل آذار 2017، بعد اكتمال الحل في سوريا ومغادرة الأسد الحكم. فهل يمكن لبنان أن ينتظر؟
وفي هذا السياق، سيستمر الوضع اللبناني في التدهور على كل الصعد الأمنية والاقتصادية، وستتفاقم مشكلة اللاجئين السوريين في غياب أي قرار.
أما إذا كانت هناك رغبة من العرابين الإقليميين، ايران من جهة والسعودية من جهة أخرى، في عدم شمول لبنان بصراعهما الإقليمي كما يتم الاعلان عنه، فيعود اليهما الدفع نحو تسوية متوازنة تؤمن حصول هذه الانتخابات.
وسيثير الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مع نظيره الايراني حسن روحاني خلال زيارته فرنسا في 28 كانون الثاني الحالي موضوع الرئاسة، ولا تراهن باريس على أي مرشح، بل تود معرفة النيات الايرانية حيال هذا الفراغ المستمر الذي بات مشكلة للبنان ولأصدقائه، ومنهم ايران.
والواقع أن التسوية المطروحة بين الحريري وفرنجيه تشكل حلاً يعيد التوازن بين الفريقين، ولن تكون في حال حصولها انتصاراً لطرف على الآخر، على أن تكون ضمن إطار اتفاق على سلة متكاملة تأخذ في الاعتبار مطالب اللاعبين في الداخل، وتشكل في هذا السياق مبادرة لبنانية. وهذه التسوية، إن حصلت، لن تلغي الانقسام على الساحة الداخلية، بل ستعيد خلط أوراق تضمن التوافق على قانون انتخاب يناسب الجميع، والاتفاق على رئاسة حكومة وبيان وزاري وحكومة تمارس حكماً حقيقياً بعد عودة الثقة بين الاطراف اللبنانيين. فالثقة هي العامل الأساسي للتوصل الى حل وتوازن القوى في لبنان، بعيداً من المقاطعة والتعطيل اللذين قد يؤديان الى الهاوية.
والتوافق بين اللبنانيين يحتاج اليوم الى مزيد من الحوار لتذليل المواقف المتباينة. ولبنان لا يحكم إلاّ بتوافق اللبنانيين، وإلا سيتحول سفينة تائهة من دون قبطان، عرضة لأن تغرق في أي لحظة. والعالم سئم مشاكل اللاعبين على الساحة اللبنانية ولا يمكنه مساعدتهم والمحافظة على الاستقرار اذا لم يؤمنوا بذلك.