نشرت صحيفة "جيوبوليس" الفرنسية تقريرا حول موقع الأقلية الشيعية في المملكة العربية السعودية، وموقفها في خضم الصراع الدبلوماسي بين المملكة وإيران، وقالت إن هذه الطائفة رغم سوء علاقتها بالدولة السعودية فإنها ترفض أن تكون ورقة تستغلها إيران لخدمة أجنداتها.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الأزمة بين إيران والمملكة ليست إلا امتدادا لحرب النفوذ بين القطب الشيعي الذي تمثله إيران، والقطب السني الذي تقوده المملكة في منطقة الشرق الأوسط.

وذكرت الصحيفة أن عملية إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر ومعه 46 شخصا آخرين، بتهمة "الإرهاب"، تتضمن رسائل قوية من المملكة التي تمثل خط الدفاع الأول في وجه المد الشيعي، "الذي يزحف على الدول العربية"، والذي يعكس رغبة إيران في تصدير نموذجها إلى منطقة الشرق الأوسط.

وأضافت الصحيفة أن إيران تستفيد من دعم الأقليات الشيعية في المنطقة، وخاصة في السعودية التي شهدت في الأيام القليلة التي تلت عملية إعدام الزعيم الشيعي موجة من الاحتجاجات في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، وتحديدا في منطقة القطيف.

واعتبرت الصحيفة أن ردة الفعل الإيرانية بعد عملية إعدام نمر النمر لا تعكس حقيقة موقف رجل الدين الشيعي من إيران، خاصة وأن النمر ليس مواليا للنظام الخميني، بالإضافة إلى انتقاده لنظام بشار الأسد الذي يحظى بدعم حزب الله في لبنان والمرشد الأعلى في إيران.

وذكرت الصحيفة أن سياسة المملكة في التعامل مع الأقلية الشيعية، يمكن أن تؤدي إلى تغذية الصراعات الطائفية بين الشيعة والسنة، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد عديد التوترات، بل أيضا بين الطوائف المختلفة المكونة للمجتمع السعودي نفسه.

وأضافت الصحيفة أن أعداد الشيعة في المملكة ارتفعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة في مختلف المناطق، حيث أصبحت الطائفة الشيعية تمثل أكثر من 10 في المائة من مجموع سكان المملكة التي يبلغ تعدادها 30 مليون شخص.

ونقلت عن الباحث السياسي توفيق السيف، "أن الشيعة في الحقيقة يمثلون نسبة أكبر في المجتمع السعودي، قد تصل الى 17 في المائة، يتركز أغلبهم في محافظة الإحساء في شرق المملكة، التي تحتوي على أكبر احتياطي عالمي من النفط بنسبة 22 في المائة.

واعتبرت الصحيفة، أن المملكة تنتهج "سياسة التمييز" على أسس دينية ضد الأقلية الشيعية من خلال استبعادهم من المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، حيث يحظر عليهم الترشح لتحمل مسؤوليات في المؤسسات التعليمية، أو الحصول على وظائف في أغلب الشركات الكبرى. 

وذكرت الصحيفة، أن المملكة لم تشهد في تاريخها توترا جديا بين السنة والشيعة، لكن العلاقة العمودية بين الشيعة والسلطة ذات المرجعية السنية، كانت تقوم على انعدام الثقة منذ بداية حكم آل سعود في سنة 1932 وحتى قيام الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979.

وأضافت الصحيفة أن الفترة التاريخية لحكم الملك فهد خلال التسعينيات، شهدت تحسنا ملحوظا في طبيعة العلاقة بين الطائفة الشيعية والسلطة الحاكمة في المملكة العربية السعودية، بعد أن تم إطلاق سراح عشرات السجناء السياسيين وإعادة جوازات السفر المصادرة، لكن ذلك لم يضع حدا لتواصل اضطهاد حقوق الأقلية الشيعية.

واعتبرت الصحيفة أن الخلافات بين الطائفة الشيعية والسلطة الحاكمة في المملكة لم تمنع الشيعة من "التشبث بانتمائهم للسعودية"، رغم محاولات إيران فرض وصايتها على الأقليات الشيعية في السعودية خصوصا، وفي الشرق الأوسط عموما.

وذكرت الصحيفة أن إيران لا تسعى من خلال ردود الفعل العنيفة إلى إثبات دعمها للطائفة الشيعية في المملكة، بقدر ما تسعى إلى "استفزاز القادة السعوديين"، حيث صرح أحد المعارضين السعوديين بأن "إيران تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية من خلال مساندتها للطائفة الشيعية في المملكة".

وأضافت الصحيفة، نقلا عن الخبير السياسي توفيق السيف، أن "مطالب الأقليات الشيعية في الدول العربية اقتصرت في بداية التسعينيات على الحرية الدينية، إلا أنها تجاوزتها في السنوات الأخيرة إلى المطالبة بالمساواة وحرية التعبير والمشاركة في الحياة السياسية".

واعتبرت الصحيفة أن الشيعة استفادوا من التغيرات السياسية التي حصلت في منطقة الشرق الأوسط، لتأكيد مطالبهم السياسية والاجتماعية، وهو ما اعتبرته السعودية مؤشرا خطيرا بعد وصول قوى شيعية للسلطة في كل من العراق ولبنان.

وذكرت الصحيفة أن رفض الأقليات الشيعية للوصاية الإيرانية، لم يمنع توتر علاقتهم مع المملكة، التي يمكن أن تشهد حركات احتجاجية إضافية؛ بسبب تواصل انتهاج السلطة لسياسية "التمييز الطائفي"، خاصة وأن ابن شقيق نمر النمر، علي النمر، يواجه حكما بالإعدام بعدما اعتقلته المملكة في سنة 2012.

وفي الختام، قالت الصحيفة إن والد علي النمر وجّه رسالة واضحة إلى الأطراف التي تشكك في إمكانية قيام علاقة أساسها الثقة بين السلطة في المملكة والشيعة، عندما أدان على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، "الاعتداء على سفارة المملكة في طهران".