على بُعد أمتارٍ قليلة من هيئة المحكمة العسكريّة، وقف القاصر ع. عوض. كان القاضي المدني حسن شحرور يتلو التّهم المسندة إليه وإلى المدّعى عليه الثاني في القضيّة الموقوف خضر طرطوسي، فيما كان «أبو مريم» يخفض رأسه ويوزّع نظراته القادحة غضباً على الهيئة.


كان هذا المشهد كفيلاً بأن يتذكّر رئيس «العسكريّة» العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم وبعض الضباط في الهيئة مشهداً مرّ سابقاً: إنّه بلال ميقاتي، ذابح العسكريّ الشهيد علي السيّد. ولذلك، لم يبدأ «الجنرال» إلا بعد أن قال ما في جعبته: «نظراتك مخيفة.. ذكّرتني بأحدهم».


لم يفصح ابراهيم عن هويّة «أحدهم»، إلا أن عوض عرف مقصده، قبل أن يشير إلى علاقة القربى التي تربطه بعنصري «داعش» بلال وعمر ميقاتي، الأوّل ابن خاله أحمد سليم ميقاتي والثاني ابن عمّ والدته.


وكما ردّد بلال بلكنته الطرابلسيّة: «عادي.. عادي»، حينما سئل عمّا إذا كان نادماً على ذبح السيّد، أعادها عوض أمس أيضاً عندما لاحظ ابراهيم شرارة الغضب في عينيه.


ابن الـ17 عاماً، ليس متّهماً عادياً. وإنّما هو من الذين يتردّد اسمهم بكونه كان يحضّر نفسه لتنفيذ عمليّة انتحاريّة لصالح التنظيم قبل أن تلقي المديريّة العامّة للأمن العام القبض عليه في 23 تشرين الأوّل الماضي.


ينفي «أبو مريم» هذا الأمر من دون أن ينكر أمر التحاقه بـ «داعش»، وإن حاول أن يظهر نفسه بمظهر الضحيّة، ليؤكّد أنّه كان ينوي تسليم نفسه وقام والده بتوكيل محامية عنه لهذا الهدف.


وعلى مدى أكثر من نصف ساعة، راح ابن شقيقة «أبو الهدى» يروي تفاصيل رحلته إلى جرود القلمون، وتحديداً إلى أحد مراكز «داعش» في قارة التي كان «أميرها» أبو أسامة السوري.


ابن بائع الملابس القطنيّة، قرّر ترك مدرسته بعد أن وصل إلى صفّ الخامس ابتدائي، ونزل عند رغبة عمر وبلال ميقاتي اللذين «لعبوا لي بعقلي» وخرج من منزل والده من دون علمه.


كانت إجابة «أبو مريم» عن سؤال كيفية إقناعه بالذهاب إلى سوريا صادماً، ولو أن الضحكات سمعت داخل قاعة المحكمة العسكريّة، حينما أشار إلى أنّ «الميقاتيين» غسلوا دماغه وأقنعوه بأنّ «فوق (مقرّ داعش) أحسن». وعليه فقد اقتنع القاصر وهو لم يكن قد أتمّ الـ16 عاماً، أنّه سيجاهد مع التنظيم والاستشهاد للدخول إلى الجنة والزواج بـ72 حوريّة من الجنة!


أمّا الصدّمة الكبرى فهي تفاصيل رحلته إلى سوريا مع لبنانيين اثنين هما محمّد البيروتي وشخص يدعى رشيد ويجهل باقي هويته، إذ قام أحد العسكريين اللبنانيين ويدعى يوسف مرعي (تمّ القبض عليه مؤخراً) باستئجار سيارة باسمه ونقلهم إلى عرسال.
ويؤكّد عوض أنّ مرعي لم ينقلهم بهدف المال، بل لم يأخذ منهم إلا بدل استئجار السيّارة!


وقد أوصلهم العسكريّ إلى إمام مسجد البلدة الشيخ مصطفى الحجيري المعروف بـ «أبو طاقية» الذي كان ينتظرهم، قبل أن يأتي بلال العتر (الذي أدخل عمر وبلال وعبدالله الجغبير إلى جرود عرسال)، وينقلهم إلى مقرّ «داعش»، حيث استقبلهم بلال وعمر ميقاتي.


وسرد الموقوف أنّ اللبنانيين داخل هذه المقرّات كانوا يجلسون لوحدهم، مشيراً إلى أنّه لم يشارك في معارك عرسال بل بقي في الجرود ومن دون أن يتمكّن من رؤية العسكريّين الذين احتجزهم «داعش». فيما بلال وعمر شاركا في المعركة مرتدين بزّات مرقّطة خاصة بمغاوير «الحزب». أي حزب؟ وعندما حاول عوض الإجابة عن هذا السؤال أسعفه لسانه قبل أن ينطق كلمة «حزب الشيطان». خرجت من فمه الأحرف الأولى قبل أن يعود ويصحّح «حزب الله».


وبعد مكوثه لحوالي الـ18 يوماً في الجرود، قرّر الشاب أن يعود إلى طرابلس عبر أحد المهرّبين ومن دون أن تردعه التهديدات التي كان يسمعها من قياديي «داعش» بأنّه «من لا يودّ المشاركة في المعارك، فإنّنا سنقتله رمياً بالرّصاص». لم يعد «أبو مريم» أدراجه لأنّه لم يقتنع بأفكار «داعش» أو انزعج من طريقة التّعامل، وإنّما السبب يعود إلى خوفه وبكائه المستمرّ من القصف الجويّ على مقرّات التنظيم والشوق إلى والدته، نافياً أن يكون قد تلقى تدريبات عسكريّة أو دروساً شرعيّة.


ومن أهمّ الاعترافات التي أدلى بها ابن الـ17 عاماً هو أنه بعد هروبه من «داعش»، صار ابن خاله عمر يحادثه عبر «واتس اب» ليروي له «بطولاته» في معارك عرسال، مؤكداً أنّه كان وبلال في المجموعة التي قامت بخطف العسكريين.


ورفض عوض، رداً على أسئلة محاميته جوسلين الراعي، أن يكون موافقاً على قتل بلال للعسكري السيّد، ليردّ: «حدا بيقتل بني آدم بهاالطريقة»، قبل أن يشدّد على أنّ لا مشكلة لديه مع الدولة اللبنانيّة والجيش.



صورة مع الرأس المقطوع!


لم تبد على الموقوف السوري خالد قراقوز أي علامات تعجّب حينما سأله رئيس المحكمة العسكريّة العميد خليل ابراهيم عن صورته مع الرأس المقطوع في معلولا! ولكنّه بدلاً من التعجّب أجاب الشاب بكلّ برودة، رأيت جثة مقطّعة أرضاً فأخذت صورة مع الرأس. كانت الإشكالية بالنسبة لقراقوز أنّه لم يحمل الرأس بل أبقاه أرضاً وأخذ صورة!


هذا بعض ممّا رواه قراقوز أثناء استجوابه ليشير إلى أنّه كان في الجيش السوري النظامي قبل أن ينشقّ وينضمّ إلى «كتائب الفاروق»، وليتمّ تكليفه بعدما سيطرت «جبهة النصرة» على معلولا، بحراسة ساحة معلولا مع 4 آخرين من «الكتائب».


وفي «العسكريّة» أيضاً، استجوب العميد ابراهيم الموقوف خالد الأسمر الذي أكّد أن لا علاقة له مع أسامة منصور سوى أنّه تزوّج شقيقته سلوى، وأنّه لم يشارك معه في أي معركة، بل إنّ والده قام بطرد صهره من المنزل قبل فترة.


وروى الشاب، الذي يعمل كحمّال في «سوبر ماركت» في طرابلس وقام وشقيقه بتسليم نفسيهما للجيش، كيف انتقل «أبو عمر» من عمله كعسكري في قوى الأمن الداخلي ثم افتتح محلاً لبيع الهواتف قبل أن يصبح متشدداً، راوياً أنّ أسامة منصور كان «يعتبرني كافراً لأنني أدخّن وأشرب الأرغيلة».