في وقت يرى معظم المراقبين انّ أبواب التسوية الرئاسية قد سدّت كلياً بعد التصعيد السعودي الايراني، وانّ ذلك سيترجم بدفن الطرح الرئاسي للرئيس سعد الحريري، يتوقع اكثر من مرجع داخلي تزخيماً للجهود الدولية من اجل انتخاب رئيس جديد، لأسباب تتقاطع في الداخل والخارج، وكلها ستسرّع في ملء الفراغ الرئاسي انطلاقاً من الاعتبارات الآتية: أولاً: لا يزال المناخ الدولي يعمل بقوة على خط المساعي الرئاسية. وسجّل في هذا الاطار تحرّك نشط للدبلوماسية الغربية في بيروت سعياً للاتفاق على انتخاب رئيس جديد، من دون الدخول في تفاصيل الاسماء، هذا التحرك الذي تصاعد بعد طرح مبادرة الحريري، لا يزال مستمراً ويعبّر عنه سفراء الدول الكبرى، في كل لقاءاتهم مع المسؤولين اللبنانيين وفي لقاءاتهم بالاطراف كافة، وهو يأتي تحت عنوان أولوية انتخاب الرئيس، تتجاوز اسم الرئيس.

ثانياً: في الاسباب التي تقف وراء هذا الزخم الدولي، حرص على الاستقرار الداخلي المهدد بفِعل تصاعد الصراع في المنطقة، وحرص على ألّا تتحول الساحة اللبنانية الى ساحة خلفية للصراع السوري، او الى ملعب للتوتر الايراني السعودي، وفي خلفية هذا التوجه الدولي والاوروبي تحديداً،

خشية من انتقال مئات آلاف اللاجئين من لبنان الى اوروبا، وفي هذه النقطة بالتحديد، أبلغ سفراء أوروبيون المسؤولين اللبنانيين أنّ الدول الاوروبية اتخذت قراراً بعدم استقبال لاجئين سوريين جدد، وانّ على لبنان ان يتحمّل مسؤولية استمرار هؤلاء على أراضيه، وانطلاقاً من ذلك على مؤسسات الدولة ان تعمل، وعلى الاجهزة الامنية ان تُمسك الوضع الامني وتمنع أيّ اهتزاز، وتالياً على جميع القوى السياسية أن تعمل على انتخاب رئيس بأيّ ثمن، بحيث تتشكّل حكومة جديدة، ويُعاد إطلاق عمل المؤسسات، قطعاً للطريق أمام الفوضى.

ثالثاً: لم يؤد التوتر السعودي الايراني المستجد الى انعكاسات مباشرة على الداخل اللبناني، وباستثناء الكلام العالي السقف والردود التي تلته، فإنّ شيئاً من ملامح التوتر الأمني، او انقطاع الحوار لم يحدث، خصوصاً بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، بما يدلّ على عدم وجود نيّة لدى الاطراف بالوصول الى نقطة اللاعودة، وبما يدلّ ايضاً على انّ كلّاً من ايران والسعودية لا تريد تحويل الساحة اللبنانية الى ساحة صراع تضاف الى مسارح الحرب الدائرة في المنطقة.

على الصعيد الداخلي، وعلى الرغم من الاعتراف بصعوبة التوصّل الى تسوية رئاسية في وقت قريب، تعيش الاطراف المسيحية كافة هاجس الصراع السني الشيعي، الذي يهدد بالانتقال الى لبنان.

هذا الهاجس ينعكس على الازمة الرئاسية، من باب الخشية من استمرار الفراغ، وهو ما تعبّر عنه الكنيسة، وبعض القوى المسيحية التي ترى في تصاعد مسار التوتر في المنطقة، سبباً اضافياً لتسريع ملء الفراغ الرئاسي خوفاً من الوصول الى طرح خيارات صعبة كخيار المؤتمر التأسيسي، الذي يعني إطاحة الطائف، وإعادة رسم الادوار والاحجام داخل النظام.

وانطلاقاً من هذا الخوف، تتواصل الاتصالات بين القوى المسيحية، وخصوصاً بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني»، من دون التوصّل الى تصوّر مشترك حتى الآن، يقدّم بديلاً لخيار انتخاب النائب فرنجية.

وبشكل مواز تحاول جهات أخرى جسّ النبض بطرح أسماء اخرى تلقى صدى دولياً ايجابياً، خصوصاً الاسماء القادرة على حفظ الوضع المالي والأمني. لكن بانتظار كل ذلك يترقّب الجميع المؤشرات القادمة من طهران والرياض، ومن عواصم القرار، التي تضع أولوية انتخاب الرئيس مدخلاً لصيانة الاستقرار.