بعد الأعياد سيُعاد نفخ الروح بـ «التسوية الباريسية». يجزم بذلك بعض المحيطين بسعد الحريري، فهو «متمسك بها وملتزم بما تفاهم عليه مع سليمان فرنجية، وسيعمل من أجل هذه التسوية في كل الاتجاهات». إن صحّ هذا الكلام، أيُّ مسار سيسلكه الحريري لتسويق «التسوية الباريسية»؟ وكيف سيتجاوز العقد التي برزت في طريقها؟

يلخص سياسي بارز الصورة بقوله: «ينبغي السؤال عن مصير التسوية. منذ ولادتها دخلت في حالة مرضيّة. قسمت الصف السياسي بين استعجال مبالغ فيه لتسييلها، وانفعال مفرط منها.. ومصيرها ما زال مجهولا، فهناك من يراها متباطئة وهناك من يراها ميتة، وهناك من يراها مجمدة في انتظار طارئ ما يحركها ويدفع بها الى الامام. واما حقيقة الامر فهي انها إن كانت لا تزال على قيد الحياة، فإن العمل بها، يحتاج الى معجزة».

«بناء على تلك الصورة، لا افق لتحرّك الحريري، هذا إن حصل، وانا شخصيا اشك في حصوله»، يقول السياسي المذكور، واما الاسباب فعديدة:
- الأول، اي تحرك للحريري لن يتأتى عنه سوى المزيد من تضييع الوقت، إذ إنه ليس في الموقع الحيادي الذي يؤهله للقيام بدور تسويقي لتسوية تعيده الى رئاسة الحكومة، حتى ولو كان الثمن السياسي غاليا كترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية.

- الثاني، طريق الحريري، إن لم تكن مقفلة بالكامل داخليا، ففي احسن حالاتها ملأى بالعقبات المستعصية:
العقبة الحريرية الذاتية، فأكثر علامات ضعف «التسوية الباريسية»، تكمن في تأخر الحريري غير المبرر في اعلان تبنيه رسميا ترشيح فرنجية للرئاسة. فماذا ينتظر؟ أي تحرك سيجدي طالما ان الحريري نفسه لم يحسم امره في هذا الموضوع؟

عقبة معراب، فطريق «تسوية» الحريري مقفلة «قواتياً»، وسمير جعجع كان الاكثر جدية وحدة وصراحة في التعبير عن امتعاضه من التسوية وغضبه من الطعن في الظهر. وثمة كلام قواتي ما زال يتكرر علنا في المجالس والصالونات انه في الوقت الذي يفي السيد حسن نصرالله بالتزاماته تجاه حليفه ميشال عون، رافضا اي بديل عنه حتى ولو كان هذا البديل حليف قوي لـ«حزب الله»، كسليمان فرنجية، فإن سعد الحريري، ومن دون تردد، خذل حليفه سمير جعجع، وتخلى عنه ليس لمصلحة حليف له في 14 آذار، بل لمصلحة خصم هذا الحليف». من هنا، سبق للحريري ان حاول تجاوز عقبة جعجع وفشل. وبالتأكيد، إن محاولته من جديد، في هذا الجو القواتي، لن يتأتى عنها سوى الفشل.

عقبة الرابية، فطريق تسوية الحريري، مقفلة عونيا بل ممنوع عليه عبورها بما يخالف طموحها، وميشال عون حسم قراره: «انا المرشح.. ولن اتراجع». واكثر من ذلك، عاد بعض المقربين يكررون تلك المقولة الشهيرة التي كان اطلقها ايلي الفرزلي: «لن يخرج من معركة الرئاسة الا شهيداً».

عقبة «حزب الله»، وربما هي الاصعب، ولها وجهان: الاول ان «حزب الله» ملتزم اخلاقيا مع عون في الموضوع الرئاسي ولن يخذله، وما يقرره عون يقبل به. واما الوجه الثاني، فهي ان حجم «الشعور» المتبادل بينه وبين «حزب الله» كبير جدا، فكيف سيفك الحريري هذه العقدة إن قرر ذلك؟ وهل يستطيع ان يردم الهوة بينهما؟ وهل في امكانه ان يقنع الحزب بالقبول به رئيسا للحكومة، خاصة وان «حزب الله» لا يخفي انه لدغ من الحريري اكثر من مرتين؟

- السبب الثالث خارجي. الحريريون يروجون ان التسوية تحظى بدعم دولي واسع. لكن السياسي البارز يرسم خريطة الدعم الدولي كما يلي:
واشنطن تبارك التسوية الرئاسية وتشجعها في سياق موقفها التقليدي ودعواتها المتكررة لاجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان. وقد لمس زوار واشنطن في الايام الاخيرة، انها ليست شريكا فعليا في التسوية، والدليل على ذلك اداؤها منذ اللحظة الاولى لولادة التسوية الباريسية، فلو كانت شريكة فعلية، لما اكتفت فقط بدور المراقب للتطورات، بل لقاتلت من اجلها وقامت بتحرك ضاغط لفرضها، بينما لم تبذل أي جهد لتحصينها امام الاعتراضات التي واجهتها، خاصة ان اهم ما عاد به الزوار، هو ان منزلة لبنان في سلم الاولويات الاميركية ما زالت في مرتبة دنيا.

باريس متحمسة للتسوية، ربما لاسباب مالية سعودية، وربما لأسباب لها علاقة باعادة احياء دور او موقع في لبنان. ومع انها تدرك ان لا فعالية لدورها فهي مستمرة في هذه الحماسة، ولقد بلغت بعض المراجع السياسية والرسمية معلومات ان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند سيطرح ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية خلال لقائه الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني آخر الشهر المقبل، علما ان الموقف الايراني في الموضوع الرئاسي يقف خلف موقف «حزب الله» الذي يقف بدوره خلف موقف ميشال عون. وقد علق رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني على التسوية الباريسية بقوله: «ايران مع انتخابات رئاسية في لبنان لا تؤدي الى اشكالات ومشاكل».

موسكو، ليست شريكة في التسوية، ولكن حضورها العسكري والسياسي المباشر في سوريا، يؤهلها لأن تكون لها كلمتها ورأيها في الشأن الرئاسي اللبناني.
بناء على تلك الصورة، يخلص السياسي المذكور الى القول: «الاستعجال واضح لتسييل التسوية الباريسية، وهناك رأي يقول ان لبنان مؤجل سياسيا ورئاسيا الى ما بعد جلاء الصورة السورية.. وانا أميل الى الرأي الثاني».