يبقى التاريخ مرجعا أساسيا لفهم المماحكات السياسية الداخلية والخارجية ، ويبقى الرجوع إلى الأحداث الماضية طريق عبور لفهم ما يجري ومعرفة القضايا العالقة منذ زمن ومن هذه القضايا قضية  لم يستطع التاريخ أن يمحيها من ذاكرة اللبنانيين حتى الحاضر أيضا لا زال ينزف في كل آب على صدر لم يغب نجمه عن ذاكرة العالم.

ففي الماضي لم تكن علاقة الصدر بإيران علاقة جيدة وقد ظهر أول خلاف علني بين الإمام الصدر وبين الإمام الخميني  عندما أيد السيد الصدر من لبنان في آب/أغسطس 1978 دعوة المرجع الكبير الراحل السيد محمود شريعتمداري لإقامة ملكية دستورية في إيران، وهي الدعوة التي رفضها الخميني فاضطر السيد الصدر إلى الصمت بعدها إلى ان ذهب إلى ليبيا وجرى تغييبه هناك يوم 31/8/1978.

وقد جرت واقعة في ايران تتعلق بقضية الإمام الصدر تتلخص بـ "عندما أرسلت حركة أمل والمجلس الشيعي وفداً موسعاً إلى طهران للقاء المسؤولين والإمام الخميني وعرض قضية اختفاء الإمام الصدر في ليبيا. طلب منهم الإيرانيون المكلفون بمرافقتهم ألا يثيروا قضية الإمام الصدر مع الإمام الخميني أبداً.. تحت زعم انه يتبناها ولا حاجة لتذكيره بها.. دون أن ننسى ان رئيس وزراء ليبيا يومها عبد السلام جلود كان موجوداً في إيران للتنسيق العسكري في مواجهة العراق خلال اشتعال الحرب معه في أيلول/سبتمبر 1980.

وربما هذه الواقعة تسرد وقائع أو تحليلات لا يمكن نفيها وهي مصلحة إيران في إخفاء الصدر  حيث أنه كان يشكل خطورة كبيرة على الخميني من ناحية الشعبية خصوصا أن مشروع الصدر كان لبنانيا وطنيا فقط وعندما وجدت إيران أن الشيعة بدأوا ينخرطون في أمل المحرومين وباتت تخسر هيبتها وجدت أن إفراغ هذه الحركة من رجل له كاريزما قوية عند الشيعة سينجح فاستغلت الأمر بذهابه إلى ليبيا واختطافه وبدأ الإعلان عن تأسيس حزب الله.

وأما بالنسبة لسوريا فهناك حديث ترويه شخصية قيادية شيعية كانت مقربة من الامام الصدر عن حزن الامام من آخر لقاء له مع حافظ الاسد تناول فيه الامام المغيب سلوك الامن السوري المستفز للبنانيين طالباً سحب الجيش السوري من الشوارع الى الثكنات، وطالباً ايضاً حسن معاملة الضباط السوريين للسياسيين اللبنانيين قائلاً له ان المنظمات الفلسطينية على سيئاتها تحترم السياسيين اللبنانيين ولا تهينهم بينما يحصل العكس مع الضباط السوريين في لبنان.

وهنا نكتشف أن المصلحة الثنائية في تغييب الصدر واردة واختيار ليبيا لم يكن عن عبث إنما بسبب مصالحها في تغييب الصدر والمتمثلة باسترجاع هيبتها في لدى اليعة في لبنان والتي خسرتها بسبب الصدر.

وانطلاقا من هنا يبدو أن هناك مصلحة ثلاثية ليبية-سورية وإيرانية في تغييب الإمام الصدر وإن أردنا ربط الماضي بالحاضر يجب أن نزيل الإستغراب بشأن مطالبة دمشق بهنيبعل واللجوء إلى حجج واهية .

فدمشق لم تكن تتوقع أن يتم خطف هنيبعل الذي يملك معلومات ربما سمعها عن اختطاف الصدر وعندما أقر هنيبعل ببعض التفاصيل لجأت دمشق إلى حجة اللجوء السياسي لتمنعه من بث أفعالها السمومية مع إيران ودورهما في اختطاف الصدر. فمن طعن والده ونفى كلامه لا يصعب عليه أن يطعن شريك والده بالظهر.