إن فكرة المهدي المنتظر تقوم على أنه في آخر الزمان سيخرج رجل من أهل البيت سيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا .

غير ان الخلاف بين السنة والشيعة في أنه ولد أو سيولد ؟ لكن ما الدليل على ذلك ؟ وهل تكفي عدة أحاديث مستفيضة كما يقولون للإيمان بوجود المخلص ؟ إن البرهان العقلي يجب أن يكون الرائد للإنسان المسلم الباحث ، وقد ذم الله سبحانه وتعالى المقلد في عقيدته :(قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباءهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون). لربما استدلوا ،بأن عقيدة المهدي ليست من مختصات الدين الإسلامي عامة والمذهب الشيعي خاصة ، فالشيعة قد كابدوا ضروب الاضطهاد على يد الأمويين والعباسيين الذين أمعنوا في الشيعة قتلا وتشريدا وتعذيبا .

إن فكرة المخلص قد غزت الأديان كلها تقريبا ، فاليهود يذهبون إلى القول بأن (إليا) هو المصلح المنقذ ، والنصارى يذهبون إلى القول بأنه(عيسى بن مريم) ، والكيسانية من الفرق ذهبت إلى أنه(محمد بن الحنفية) والإسماعيلية قالت إنه (إسماعيل بن جعفر)، ومسيحي الأحباش ينتظرون عودة ملكهم (ثيودور) كمهدي منتظر يظهر في آخر الزمان ، وأن تجد عند المغول الاعتقاد بهذه الفكرة ، إذ يرون أن زعيمهم (جنكيز خان) قد وعد قبل موته بعودته إلى الدنيا لتخليص أتباعه من العسف الصيني . 

والمجوس أيضا ينتظرون(أشيد ربابي) أحد أعقاب زرادشت ، وفي المعتقدات الفرعونية القديمة ، وفي مصنفات الصينيين ، وفي عقائد الهنود المتصلة بتناسخ(براهما) منطلقات مماثلة .  فإن قال قائل : إذا كان القول بالمهدوية نتيجة لاضطهاد الشيعة ، فكيف تفسرون لنا الاعتقاد بهذه العقيدة عند السنة ؟ قلنا : صحيح أن فرقة الشيعة اضطهدت أكثر من باقي الفرق ، لذلك تجدهم أشد تمسكا بعقيدة المهدي ، لكن ذلك لا يعني أن باقي الفرق كان يظلها أمن ، فقد عانت كل الفرق الاضطهاد والظلم ، وإن تفاوت بالأقل والأكثر .

والخلاصة : أن الاعتقاد بالمخلص كان نتيجة  لوضع سياسي واجتماعي ، وأن الفرق والذهنية المضطهدة ترى هذا الاعتقاد أنه حسن ، لذا تراه قد يصل إلى حد إجماع البشرية عليه من هنود، وصينيين، ومسلمين ،ومسيحيين ،ويهود . ونحا بعضهم منحا آخر للإستدلال على عقيدة المهدي ، فقال : إن وجود إمام غائب يظهر في آخر الزمان أمر ممكن ، وعليه فالاعتقاد بوجود المهدي ضروري وخاصة أن الروايات تضافرت عن النبي (ص) والأئمة في هذا الشأن . لكن الإمكان كما روعي في الأبحاث المنطقية والفلسفية ، ليس بحجة ، فإنه بمعنى تساوي الوجود والعدم بالنسبة إلى الماهية ، وترجيح جانب الوجود على جانب العدم بلا مرجح محال ،فإن اصطدام الأرض بالقمر أمر ممكن ، ولو عقلا ، لكن الأمر في المسألة أن مثل هذا هل سيحدث أو لا ؟ فليس كل ممكن واجب وقوعه . ثم تضافرت الروايات حول هذه العقيدة مما يوهم الترجيح ، وهذا ليس بحجة أيضا. لكن لماذا هذه العقيدة ؟  جل الأمر أنها كانت للدعاية السياسية وللسلوى والعزاء .    

    مخلص جواد