ربما إطلاق مصطلح “العنوسة” على النساء اللواتي يرفضن الزواج في عمر يفوق الـ30 أصبح غير مناسب في عصرنا الراهن إذ أن التفريق بين الرجل والمرأة من حيث العمل والإنتاج أصبح مستحيلا. فالمرأة قديما كانت “ست البيت” مهمتها محصورة في تربية الاطفال وتقديم الخدمات المطلبية للرجل أي تأمين كل متطلبات الراحة له.

أما اليوم ومع الإنفتاح والتطور الذي وصلنا إليه تعدى مفهوم المرأة إلى كيان يحاول أن يثبت وجوده في كافة المجالات الإقتصادية والإجتماعية والتربوية لذلك بات من الصعب أن نجد إمرأة غير عاملة، لذلك نجد النساء ذات طموح عال ودائم لا يستطيع أحد أن يطفأ ناره. وربما بمقارنة بسيطة مع الرجل نجد ان الدخل الشهري لغالبية النساء اللبنانيات يفوق الدخل الشهري لأزواجهن ما يعني أن للمرأة دور كبير في إعالة العائلة. لكن كما قيل الحياة ربح وخسارة، فالمرأة ربحت كيانها وأثبتت وجودها كنوع من العدالة مع الرجل لكن هل هي سعيدة؟ سؤال نوجهه إلى عدد من الإناث العاملات اللواتي وجدن في العمل عزاء لمعاناتهن.

فعبير ابنة الـ25 عاما تقول :أشعر أنه لدي إكتفاء ذاتي لكن هناك جانب ما ينقصني وهو الجانب العاطفي، أحيانا أشعر بحاجتي إلى وضع رأسي على كتف أحدهم لكن بالنسبة لي طموحاتي وأحلامي وحريتي تفوق أهمية الزواج خصوصا اننا في مجتمع ذكوري يفرض على المرأة قيودا في حال تزوجت ولو كانت عاملة” نسرين ابنة الـ27 عاما وتعمل في مجال التعليم تقول :حتى الآن لم أجد رجلا يحبني لنفسي ، فكل ما ألتقي برجل وأقول هذا هو رجل أحلامي أجد أن كل ما يهمه المال لأن وبطبيعة الحال عندما تتطور علاقتنا يتم سؤالي “كم يبلغ دخلك الشهري”. أما هلا ابنة الـ30 عاما:”أنا حتى الآن لست متزوجة ولا أرغب بذلك أساسا، أحببت رجلا من كل قلبي وما قدمته له من مساعدات مالية لم أقدمها لأحد وفي النهاية تركني لمصيري، فأنا اليوم أعمل ولست بحاجة لأي رجل يستغل، “مصاريي بتعيشني”.

هذا نموذج من الفتيات غير المتزوجات اللواتي يفضلن البقاء عازبات على أن يتزوجن، فهل السناء المتزوجات يشعرن بالندم أما أنهن يشجعهن على هذه الخطوة. فلميا ابنة الـ25 عاما تقول:”تزوجت وكنت لا أزال أتابع دراستي، وقبولي في الزواج ليس نابعا من الحب الذي أكنه لهذا الرجل حتى أنه ليس رجل أحلامي لكن الضغط الذي كنت اعانيه من عائلتي جعلني أبحث عن بديل للتحرر فأقدمت على هذه الخطوة، وصحيح أنني شعرت بالحرية لكني فقدت الشعور بالحب والأمان الذي أبحث عنه وأصبحت أنا الرجل والمرأة في البيت إذ ان وجوده أو غيابه لا يؤثر علي بأي شيء فأنا أعمل وأعيل نفسي.”

أما غادة تبلغ من العمر 28 عاما متزوجة ولديها طفلين تشرح معاناتها بالقول:”انا أعمل وهو أيضا لكنه لا يشعرني بأنوثتي ولا يهتم بتعبي،يريدني عاملة خارج المنزل وفي المنزل، وكلمة شكر لا أسمعها منه” يا محلا أيام زمان المرا بتشقى لبيتها وزوجها بس كانت مهمتها محصورة، هلأ نحنا شو “شو ما منعمل ما راضيين رجالنا والأحلى من هيك صاروا الرجال يغاروا من النسوان”وهنا تستلم والدتها دفة الحديث لتقول “إيه والله يا محلا أيام زمان شو إنتو هلأ بتعرفوا تحبوا وتخلّوا رجالكن مبسوطين، وما في أحلى من أيام اللي نكذب عأهلنا ونقول نازلين عالنبع لنشوف حبايبنا بس هلأ الرجّال صار يهمو مرتو تشتغل لتساعدو ،الله يعينكن على هالزمن.”

ما قالته والدة غادة لا يعدو كونه تغيرا فرض نفسه مع تغير الزمن فاليوم وإن سألت غالبية الرجال عن سبب زواجهم من هذه المرأة وهل الدافع هو الحب تكون أجوبتهم على الشكل التالي: أحمد ابن الـ22 “ما بفكر إتزوج، ليه قادر إفتح بيت أساسا،خليني عايش بالأحلام مع حبيبتي أحسن ” مع بسمة ترافق إجابته أما رجا فيقول “انا متزوج الحمدالله ولو ما مرتي ما اقدرت إفتح بيت، الحب ما بيطعمي خبز” وأضاف زميله سامي مع ضحكة صغيرة “أنا إذا كانت زوجتي ما بتشتغل شو بدي بهالزواج،حدا بجيب الدب عكرمو.” ولعلّ غياب إحساس المرأة بأنوثتها وشعورها بالإهمال بالإضافة إلى أنها بدأت تلعب دورا يساوي دور الرجل في الحياة وسيطرة تفكير “زواج المصلحة” على تفكير الرجل جعل المرأة اللبنانية تهرب من هذه الخطوة وتلجأ إلى القيام بأشياء بديلة تكون بمثابة التعويض العاطفي لها.

وإذ اننا لا نلوم الرجل خاصة اننا أصبحنا في زمن تعتبر المعيشة فيه صعبة جدا ولكن المرأة مظلومة أيضا إذ اننا بتنا نعيش في زمن الصفقات القصيرة الهدف وكثيرة الخسائر. فالتعب النفسي الذي تعيشه المرأة جراء “الزواج العقلي”والذي يعتبر من أشد أنواع العذاب أمر لا مفر منه في هذا الزمن خصوصًا أن هذا الإرتباط سيكون خاليًا من أي مشاعر المودة والإلفة والتي هي من أساسيات نجاح الزواج.

 (Liban8)