في كل عام يحتفل لبنان بعيد الاستقلال , وتتركز الاحتفالات على عروض عسكرية وبعض الكلمات التي لا تتناول جوهر ومعنى الاستقلال الحقيقي , ولا تلامس التحديات التي تعصف بمفهوم البقاء والاستمرار , الذان هما جوهر الاستقلال , وكأننا نعيش برفاهية الحرية والاستقامة السياسية , مهم جدا أن نخلّد ذكرى الاستقلال , لكن الاهم من ذلك هو التركيز على جوهر الاستقلال وحقيقته .

الاستقلال في مضمونه لا يعني رفع العلم على المؤسسات , ولا إستعراض لساعات مع نشيدٍ ,  وليس هو مجرد ذكرى لإجلاء آخر جندي مستعمر فحسب , بل هو حرية سياسية وحرية إدارية وحرية القرار الداخلي بكل شيء , هكذا يكون الاستقلال حقيقة ويكون بالتالي حدث تاريخي يُفتخرُ به ويُحتفل به .

ذكرى الاستقلال مناسبة للإهتمام بشؤون الدولة والناس , وللإهتمام بالمجتمع وحاجياته , مناسبة للإصلاح , وبناء الثقة بين السلطة والجمهور , وتكريس هذه المقومات , وهو مناسبة لإعلان برنامج إنمائي على كل المستويات .

في ذكرى الاستقلال من كل عام يطرح اللبنانيون على أنفسهم أسئلة , لأنهم يريدون أجوبة صريحة عن الحرية والاستقلال , وهي أسئلة مشروعة في مجتمعٍ إنفكّ عن قيمه وعن مرجعياته الداخلية , ولم يَعد يعرف المواطن اللبناني أين مصدر القرار لتكون الدولة مستقلة فعلا , فيجب علينا في ذكرى الاستقلال أن نرفع الغُبنَ عن المواطن اللبناني  الذي تعرض للتضليل من خلال التحالفات الاقليمية والدولية وعقد الصفقات السياسية التي قسّمت البلاد طولا وعرضا وجعلته معسكرات مذهبية .

ينبغي في ذكرى الاستقلال أن نرفع اللثام عن الظلم الذي تعرض له المجتمع عبر مشاريع تحالفَ فيها أصحاب المصلحة السياسية، مع أصحاب نظريات ترويض المجتمعات مذهبيا , لمسكه والتحكم به ليس لمصلحة أبنائه , بل لمصلحة تمريري مشاريع إقليمية ودولية .

الاستقلال الحقيقي هو التحرّر من التبعية للخارج , سواء من المسؤولين والمواطنين , والتمسك بالحرية والايمان بالوطن والوطنية , وهذا لا يمكن تحقيقه من مواطن فاقد لأبسط حقوقه , ولا من مسؤولٍ لا يتمتع بحريته ومرهون للخارج , ولا يمكن أن يكون المسؤول مسؤولا بلا حرية , ولا حرية بلا مسؤولية , فثمة تلازم ضروري بين الحرية والمسؤولية , لأن الفاقد لهذه المقومات لا يستطيع أن يقاوم ويواجه ضغوط الحياة وإرهاب الظالمين , وبالتالي فهو عاجز عن الحفاظ على الاستقلال لأنه مُحاط بالهزيمة النفسية قبل الهزيمة المادية .