من برج البراجنة إلى برج ايفل شريط ملطخ بدماء الأبرياء عابر للحدود مخترقا الحواجز الأمنية لا يجيد سوى لغة الإجرام متحديا التهديدات والتحالفات الدولية التي تم إنشاؤها للنيل منه. يستمد شرعيته من منظومة اباطيل مغلفة ببعض الترهات والادعاءات الدينيه يحمل أفكارا تتخطى حدود استيعاب العقل الإنساني رافعا راية التكفير لكل ما له علاقة بالجنس البشري ومستخدما أقسى أساليب الإرهاب وخشية وأشد أنواع القتل والتدمير بشاعة.

فما حصل في العاصمة الفرنسيه باريس منذ أيام قليلة حيث شهدت ثلاث تفجيرات في وقت واحد أودت بحياة ما يقارب 130 ضحية قضوا قتلا وأكثر من 200 جريح لا يمكن فصله عما حصل قبلها بيوم واحد في برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية حيث أقدم مجرمان على تفجير نفسيهما بعمل انتحاري في منطقة مكتظة. وقبلها بأيام حادث الطائرة الروسية التي تم تفجيرها في الجو فوق منطقة سيناء على الأراضي المصرية. ويطول مسلسل التفجير لتعود بنا الذاكرة إلى حلقته الأولى في 11 أيلول عام 2001 بتفجير مركزي التجارة العالمي في نيويورك. حيث يشهد العالم من خلال هذا المسلسل الإجرامي نوعا مختلفا من الصراعات والحروب. ضحاياه دائما من الأبرياء وساحاته مراكز مدنية وميادين تحصيل القوت المعيشي وأماكن للعبادة وبأساليب متوحشة تتخطى القوانين والمواثيق الدولية. لم يعرف الإنسان مثيلا لها إلا في القرون الوسطى.

هذا المسلسل الإرهابي الذي أقدمت على إنتاجه وتولت تنفيذه جماعات تكفيرية وأطلقت على نفسها تسميات شتى (القاعدة - داعش - النصرة  ) وغيرها فهو على بشاعته ولكنه ليس أكثر بشاعة وغرابة من الردود الدولية على هذا الفعل الإجرامي والتي تفاوت بين الاستنكار والتنديد لتصل في أقصى حالاتها إلى القيام بغارات جوية محدودة في الزمان والمكان على بعض المراكز والمواقع العسكرية لتلك الجماعات الإرهابية حيث بقيت قاصرة عن إيقاع أذى يعتد به. على الرغم من قيام تحالف دولي واقليمي وعربي منذ أكثر من سنة ونصف لمحاربتها وضم اكثر من خمسين دولة غربية وعربية.

وقد بدا واضحا حتى الآن أن العالم فشل مرتين في مكافحة الإرهاب. مرة في منع هجمات التنظيمات الإرهابية التي طالت معظم الدول. ومرة ما يبدو عجز المنظومة الدولية عن إنشاء تحالف بين معظم دول العالم المستهدفة بأعمال التفجير بسبب الخلافات القائمة في ما بينها لتتخذ قرارات جدية تتخطى حدود التنديد والاستعراض لمحاربة هذه الجماعات بغية الوصول إلى مرحلة القضاء على قواها العسكرية واقتلاعها من جذورها.

وهذا الفشل يعطي التنظيمات الإرهابية مساحة أوسع وفرصة أكبر لتزايد أعمالها التفجيرية. على أن الخطورة تكمن في أن بعض الدول ترى في بعض هذه التفجيرات ما يحقق لها بعض المكاسب الآنية وبعض المصالح خصوصا إذا حدثت على أراضي دول على عداء معها. وهذا يزيد الاقتناع بأن بعض هذه التنظيمات وخصوصا داعش هو عبارة عن خلطة مخابراتية شارك في صناعتها مجموعة من الأجهزة الاستخباراتية التابعة لبعض الدول. وكل جهاز يقف وراء عمل تفجيري بشكل منفصل أو متصل بالأجهزة الأخرى بحيث تعطي انطباعا بأن عمليات التفجير هي الوجه الآخر للحروب العسكرية الكلاسيكية