وصل الانزلاق السياسي إلى أدنى مستوياته في لبنان , وأثبتت الحكومات المتعاقبة , والموالاة مجتمعة ومنفردة , والمعارضة بكل أشكالها وأطيافها , بأنهم فاشلون بامتياز في إدارة البلد في الملفات كافة , وما وصلنا إليه من فوضى سياسية وإضطراب في المواقف , وعدم القدرة على منع الانقسام الطائفي مرورا بالتجاذبات والمناكفات على كل شيء حتى وصل الامر إلى تهديد الكيان اللبناني . الانزلاق الخطير كان في إستقدام الخطاب المذهبي , وحلوله مكان الخطاب السياسي الجامع , ومن خصائص الخطاب المذهبي انه لا يملك القدرة على الجمع , بل دائما هو خطاب تشنج وتفرقة وإثارة , لأن الخطاب المذهبي هو إلغائي بتكوينه , فاستقدام الخطاب المذهبي أخذ بالاحداث إلى آلية العنف السياسي , وربط كل الصراعات بطابع ديني , وهذا خطأ إستراتيجي في الصراع الراهن , إن دلّ على شيء , فإنه يدل على السذاجة الفكرية والسياسية عند إطراف الصراع , الذين لم يدركوا إلى الآن خطورة ما يجري من فرز مذهبي يأخذ شكل الصراع الاقصائي , ونفي لأي آخر مختلف , وهذا واضح بتحوّل لبنان إلى دويلات مذهبية متناحرة , ومختلفة بنيويا من حيث الثقافات والعادات والاهداف والطموحات . مما لا شك فيه أن مجريات الاحداث على الساحة الاقليمية قد أثرّت على الشكل المُنزلق على الساحة اللبنانية , من هنا نرى أن الخطاب المذهبي لم يأتي من فراغ , بل كان من ضمن مخطط دولي وقع فيه الاطراف السياسية في لبنان , وهذا الخطاب التفتيتي في لبنان لم يكن ليكون لولا أن الاطراف السياسية اللبنانية تملك هامشا من الحرية السياسية مع وعيٍ لأحداث المنطقة والمرحلة . لقد نجحت الخطة المرسومة للمنطقة ومنها لبنان في حرف مسار الصراع , ووضعه باتجاهات مغايرة للواقع , وأوصلته إلى النموذج الاكثر رجعية وخطورة , فلا أعتقد أن بإمكان أحد اليوم على الساحة اللبنانية وعلى الساحة العربية , إعادة البوصلة في الصراع إلى المربع الاول الذي تشكلت الجبهات على أساس معطياته , فإن الاحداث التي جرت مؤخراً وبالتحديد خلال فترة إندلاع الازمة السورية إلى الآن , دلّت بوضوح لا شك فيه , بأن العامل المذهبي والطائفي قادر على التأثير بشكل كبير وتحديد شكل الصراع وتحوير إتجاه الصراع , وتحديد طبيعة الاحداث , لأن مكونات الصراع متشابهة بالانتماء المذهبي المتناقض تاريخيا , هذا التناقض التاريخي هو عدة العمل وهو متوفر بشكل كبير . فربط لبنان بتلك الاحداث بشكل عضوي أدخله في مزالق الاخطار التفكيكية , ويتحمّل مسؤولية ذلك الربط ضعف الرؤية السياسية عند الاطراف من جهة , ومن جهة ثانية عدم إمتلاك القرار الذاتي بتحديد المصلحة الوطنية اللبنانية . فنحن في لبنان في منزلق مستمر ولا وجود لأي حلّ الآن منفصل عن الحل في المنطقة برمتها . وما نراه اليوم من عدم إتفاق بين الطبقة السياسية في لبنان ما هو إلا هروب وإنتظار للاملاءات الخارجية .