الفنون هي أنماط وطُرق للتعبير الجمالي عن الاشياء , وهي من ألآليات الجمالية للتعبير عن الصور والافكار الذهنية , وهي متعددة الالوان , فقد تكون قولية كالشعر والنثر , أو صوتيه كالموسيقى والغناء , أو  تشكيلية\شكلية كالرسم والنحت , وموقف الدين منها مرتبط بأهدافها والغرض منها , لنأخذ مثلا من الفنون القولية :  وهو حديث القرآن الكريم في ذمّ الشِعر حيث علّل الذم بغاية الشعراء وبنتيجة الشعر , قال تعالى : " والشعراء يتّبعهم الغاوون , ألم ترى أنهم في كلّ وادٍ يهيمون , وأنهم يقولون ما لا يفعلون " سورة الشعراء 224_226 .

فالهيام في أودية الخيال والبُعد عن الحقيقة الانسانية , والمبالغة والكذب , هي التي كانت موضع الذم والرفض , وليس الشعر بذاته كفن , لأن هذه المضامين والاهداف تجعل هذا النوع من الفن هدّام للقيم الاخلاقية . فالتحريم ليس ذاتيا لهذا الفن , بل لعوارضه , فلو كان للأديب غاية إنسانية خُلقية , لما كان هناك أي مشكلة دينية أو شرعية , وهذا ما حصل مع النبي (ص) بقصة الشاعر الجاهلي كعب ابن زهير وقصيدته الشهيرة " بانت سعاد ..." حيث دخل على النبي (ص) وقرأ عليه القصيدة , ولم يتخل عن عادة العرب في وصف جسد المرأة وصفاً دقيقاً , فاستمع له الرسول وكان فرحاً به وبقصيدته .

الفن بكل أشكاله هو أحد المكونات الاساسية للبنية البشرية حسب تقارير علماء النفس والاجتماع , وهو نوع من الغذاء الروحي للحياة البشرية , وتذوّق الفن يُسقِلُ الوجدان الانساني ." أنتهى إقتباس كلام علماء النفس والاجتماع ".

علماء الدين لم يساووا بالنظرة إلى الفنون , فعالجوها كلٌّ على حدا , فأخذوا كل فنٍ من الفنون وجعلوه موضوعا مستقلا عن الآخر , وأصدروا الاحكام بناءً على ما ورد من نصوص روائية متعلقة بها , ولم يتوصلوا إلى قاعدة عامة تشمل الفنون كلها , وهذه ثغرة منهجية , لأنه من الممكن أن نضع قاعدة عامة يُرجع إليها  عندما نريد منع أو تحريم فنٍ من الفنون , قاعدة تتعلق بالمضمون والاهداف والغايات التي تحتويها وتحملها الفنون , لأنه لا يصح رفض أي آلية مهما كانت لذاتها , فيمكن أن نضع قاعدة تقول : الآليات إن إشتملت على مخالفة واضحة للعقائد والاخلاقيات الاسلامية والقيم الانسانية , وكان الهدف منها الفحشاء والمنكر لا يجوز إستعمالها " , " إن الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون " سورة النور 19 . هذه قاعدة عامة في القرآن تحرّم إشاعة الفاحشة ولا تنظر إلى الوسيلة والآلية , لأن إشاعة الفاحشة تتم بكل الوسائل , كما إشاعة ونشر القيم يمكن أن تتم بكل الوسائل .

فالفنون بكل أقسامها يمكن أن تكون آليات جمالية للتعبير عن القيم , وبالتالي يمكن أن تساعد عل نشر القيم الدينية والاخلاقية , ويمكن أن تكون من أهم الوسائل لإيصال الفكرة بطريقة سريعة وسهلة , مثل التمثيل السينمائي , والرسم , والشعر , والغناء والموسيقى ... أعتقد أن فيلماً لمدة ساعة في هذا الزمن قد يحكي تاريخا طويلا ويكون له قوة إرتكاز عند المشاهد أكثر من مطولات من المحاضرات , وهكذا أيضا القصيدة التي تحكي وتصوّر واقعا بطريقة جمالية وتؤثر تأثيرا كبيرا في المستمِع , والغناء والموسيقى قادران أيضا على إيصال الفكرة والصورة الوجدانية لما لهما من تأثير على الذوق الانساني , والرسم كذلك .

لقد إندثرت حضارات في التاريخ ولم يبق منها إلا الانتاجيات الفنية , مثل الرسم والنحت والشعر , ولولا هذه الفنون لما تعرفنا على كثير من عقائد وثقافة الحضارات التاريخية القديمة  . فهذا يدلّ على أهمية الفنون في التعبير عن المعتقدات والثقافات ونشرها وترسيخها .

فلذلك ينبغي إعادة النظر بالآراء الفقهية المتعلقة بالفنون بكل أقسامها وأشكالها  وبدورها في نشر العقائد والمفاهيم والقيم الاسلامية والانسانية .