عادت تركيا إلى ما كانت عليه قبل خمسة أشهر، مع استعادة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم منذ 13 سنة، غالبية مقاعد البرلمان (316 من 550)، ما يسمح له بتشكيل حكومة بمفرده، لكنه لن يملك صلاحية تغيير الدستور لتحويل النظام الى رئاسي إلا بدعم من المعارضة. ومع تبدد القلق في شأن تشكيلة الحكومة التالية، سجلت البورصة والليرة التركية ارتفاعاً كبيراً في مقابل الدولار واليورو أمس.

وأعلن الرئيس رجب طيب أردوغان أن الناخبين «صوتوا للاستقرار»، فيما دعا رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو إلى صوغ دستور جديد بالتعاون مع المعارضة، وفي مقدمها حزب «الشعب الجمهوري» الفائز بـ 134 مقعداً في البرلمان، وإصلاح مؤسسات القضاء وتحسين الاقتصاد.

ويحتاج حزب العدالة والتنمية إلى 330 مقعداً في البرلمان للدعوة إلى استفتاء لتغيير النظام إلى رئاسي، ناهيك بحاجته إلى 376 مقعداً من أجل إقرار تغيير كهذا داخل البرلمان، من دون الحاجة إلى استفتاء. وكان أردوغان يطمح إلى تعديل يحول النظام إلى رئاسي ويعطيه صلاحيات واسعة في إدارة شؤون البلاد.

واعتبرت المعارضة أن التهديد الأمني الذي واجهته تركيا في الأشهر الخمسة الأخيرة، مع استئناف النزاع الكردي وشن تنظيم «داعش» ثلاث هجمات دموية خلّف آخرها 102 قتيل في أنقرة قبل ثلاثة أسابيع، أثرّ على قرار الناخبين. وهي طرحت تساؤلات حول سياسة حزب «العدالة والتنمية» في المرحلة المقبلة، وسط مخاوف من ارتفاع وتيرة العنف.

وكان لافتاً ترحيب الاتحاد الأوروبي بـ «انتخابات سلمية شهدت نسبة مشاركة مرتفعة، أكدت مجدداً التزام الأتراك القوي بالعملية الديموقراطية». لكنّ مراقبي منظمة الأمن والتعاون الأوروبية أسفوا لأجواء «العنف» التي سادت حملة الانتخابات، وانتقدوا «ضغوط الحكومة على الصحافة المستقلة»، علماً أن أردوغان واصل بعد الفوز استخدام أسلوبه المعتاد تجاه وسائل الإعلام العالمية، وقال: «يجب أن يحترم العالم فوز حزب نال نحو نصف أصوات الناخبين».

ورأى نواب من «العدالة والتنمية» تحدثوا لـ «الحياة» أن «الحزب نجح في التجاوب مع مطالب الناخبين، وصحح أخطاء انتخابات 7 حزيران (يونيو) الماضي والتي خسر فيها الغالبية البرلمانية، إذ ظهر أردوغان في مناسبات أقل أثناء الحملة الانتخابية. وعدل لائحة مرشحيه مستعيناً بأسماء كبيرة مخضرمة مثل علي باباجان. كما وعد باستيعاب الدرس وإجراء الإصلاحات المطلوبة».

وشدد النواب على «ضرورة مواصلة الحزب خطواته التصحيحية للحفاظ على نجاحه حتى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية المقبلة عام 2019»، في حين رجحوا أن يبقى زعيم الحزب رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو مطيعاً لأردوغان لدى تشكيله الحكومة المقبلة، لكن مع منح داود اوغلو هامش حرية أكبر في اختيار وزراء الخارجية والعدل والاقتصاد، وهي الوزارات الأهم التي سيعول عليها لتنفيذ إصلاحات.

وتوقعت مصادر في الحزب الحاكم بدء مراجعة شاملة للسياسة الخارجية تمتد على مدى السنوات الثلاث المقبلة، رغم أن الحزب بات غير مضطر لتغيير سياساته الخارجية تحت ضغط شريك في الحكومة.

على صعيد الملف الكردي، استبعد مقربون من داود أوغلو استئناف مفاوضات السلام سريعاً مع حزب «العمال الكردستاني»، بعدما أظهرت الانتخابات استياء جزء من الأكراد من سياسات الحزب وإشهاره السلاح مجدداً. لكن حزب «الشعوب الديموقراطي» الذي تراجعت أصواته إلى نسبة 10،7 في المئة في مقابل 13 في المئة في اقتراع 7 حزيران الماضي، نجح للمرة الأولى في دخول البرلمان بأصوات الأكراد فقط، بعدما تخلى اليسار عن دعمه، ما يجعله ممثلاً مهماً للصوت الكردي. كما كسب القوميون الأكراد للمرة الأولى، مقاعد أكثر من القوميين الأتراك في البرلمان (59 في مقابل 40).