يبدو أن النقد الثقافي الذي يشمل الحقول المعرفية المتمحورة حول السلوك الانساني الديني بما فيها النص والنص المضاد وما ينتجه من إختلاف وما يتفرّع عنه من إظهار المضمر هو الاساس في عملية الاصلاح الفكري السائد المؤثر والحاكم على السولكيات بما فيها سلوكيات الفرد والجماعة , والسلطة والحكم .

 ظهر النقد الثقافي في الغرب بداية  كردة فعل على فلسفة الكنيسة  للاشياء , وحصر هذا بالكنيسة , وسيطرتها على التفسير والتأويل الديني وإحتكارها الفهم ورفضها لكل مختلف , لأنها كانت تخشى النقد الثقافي لأنه يرفض بطبيعته التسليم بمسبقات يقينية , والفكر الديني تحكمه تلك المسبقات التي تفرضها النصوص الدينية , فالنقد الثقافي هو مجموعة من المناهج والمقاربات المتعددة الاختصاصات التي تصبُ كلها في الحقل الثقافي , ويسعى النقد الثقافي إلى طرح أسئلة حول المناهج وآليات البحث , فيُدخِل معه مجموعة من العلوم الانسانية , مثل التاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة والاعلام وعلوم الحضارة , فهذه العلوم غير معترف بها في المؤسسة الدينية كمرجعية معرفية أساسية , مع أنها لا ترفضها كلّيا , إلا أنها لا تعتبرها مرجعية علمية أقوى من النص الديني الموجود بين أيدي المؤسسة الدينية , وخاصة أن النقد الثقافي يتصدى لكل الاشكال والافكار اللامعقولة , التي سَعَتْ المؤسسة الدينية بكل أشكالها وإنتمائها أن تُلبس اللامعقول للعقل , وأن نظام من الممنوع , " ممنوع التفكير فيه وبه " , وأن تشكّل أشكال من العقلانية المزيّفة واليقينيات الوهمية المسبقة , كأدوات لإستخدام العقل في تدعيم النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة والتي تصب في مصلحتها . وهذا ما أطلق عليه " العقل الأداتي " .

أهمية النقد الثقافي أنه يتعامل مع النصوص والخطابات ويلاحقها من أجل إستكشاف أنساقها الثقافية المضمرة غير الواعية , فيطرح الاسئلة التي لا يمكن للفكر السائد المحكوم بيقينيات مسبقة أن يطرحها , ويلعب دوراً مهما في كبح جماح الفكر الديني الذي يخرج عن سياقاته فيجعل النص الديني أداة طيّعة يلويه كما يشاء , بهدف الهيمنة والسيطرة على أنماط من التفكير الجمعي , فيفرض ما يشاء , فهنا تكمن أهمية المثقف بمنع ذلك بالاستمرار بملاحقة الخطاب والنص وطرح الاسئلة والاشكاليات , وإستكشاف المضمرات التي تختفي في السياقات اللاواعية التي من شانها ضرب البنية الفكرية وآلياتها .

ولأن الثقافة مسؤولة عن فهم الاشياء , لا يجوز للنقد الثقافي أن يغيب , أو يُغيّب عن الآليات المنهجية للعلوم كافة ومنها العلوم اللغوية والادبية التي لها إرتباط بالعلوم الدينية المتفرعة عن علوم النص وفهم النص الديني والخطاب الديني تشريحا وتفتيتا وتفكيكا وفرز النسق العقلي عن النسق اللاعقلي .