إن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن يزيد بن معاوية  قد أساء إلى الإسلام في بعض مواقفه وأمعن في الانحراف عن الطريق الذي رسمه النبي محمد (ص) التزاماً بمبادئ الرسالة الإسلامية وتطبيقاً للتعاليم الإلهية ، وبالغ في مجاهرته بالفسق والفجور والمعاصي أمام الملأ ووصلت به الجرأة على الله إصراره على أخذ البيعة له من الإمام الحسين بن علي عليهما السلام بحد السيف.

إلا أن الحسين(ع ) أبى أن يغطي موبقات يزيد ويشرع له انحرافه واستهتاره بالقيم الأخلاقية واستخفافه بالدين بإعطائه البيعة طوعاً أو كرهاً ، فخرج لطلب الإصلاح في المجتمع الإسلامي الذي لم يكن قد أمتلك بعد مقومات المناعة التي تشكل له حماية من الإنهيار وتحول دون عودته إلى العصر الجاهلي وإلى عبادة الأوثان والإشراك بالله سبحانه وتعالى.

والإمام الحسين لم يخرج وكما يتوهم البعض طلباً لمنصب الخلافة وإمارة المؤمنين ، ولم يسعَ إلى السلطة وموقع الرياسة ، بل خرج لمحاربة الفساد ومقارعة الظالم ونصرة المظلوم ، وقد عبر عن ذلك /لم أخرج اشرا ولا بطرا ولا فاسدا ولا مفسدا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي/ .

فالإمام الحسين(ع ) وهو صاحب الشخصية العظيمة والذي تربى في بيت النبوة لم يحاول أن ينتصر لنفسه أو لقومه أو لفئة معينة ، بل انطلق بمسيرته الجهادية انتصاراً للحق على الباطل ودفاعاً عن الرسالة الإسلامية وهو يدرك جيداً أنّ سلوك هذا الطريق الجهادي دونه أشواك وعراقيل وتضحيات كبيرة لا يقوى على حملها إلا شخصية رسالية تمتلك الحد الأقصى من الصفات والمزايا والأخلاقيات الإنسانية الحقيقية ، فأدّت هذه المسيرة إلى استشهاده هو وأهل بيته ولفيف من خلص أصحابه الأوفياء على رمال كربلاء ليصبح مدرسة في العطاء والتضحية ومعيناً لا ينضب في الإيثار والوفاء لكل الثائرين في العالم على الظلم والطغيان فكان تجسيداً حقيقياً للحق كله على الباطل كله وأعطى امثولة في كيفيه انتصار الكلمة على السيف وكيف يمكن للإنسان أن يكون مظلوماً فينتصر.

والإمام الحسين ع برفضه المبايعة ليزيد كان منسجماً مع نفسه ومع بيئته ومع حاضنته النبوية الشريفة ، فلم يخرج على مألوف القاعدة الإلهية التي اختصه الله بها حيث عبر عن ذلك بالقول /إنا بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ويزيد رجل فاسق فاجر شارب الخمر مجاهر بالفسق ومثلي لا يبايع مثله / .

وعليه فإنّه خرج على يزيد منطلقاً من الأمر الإلهي الداعي إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولم يلجأ إلى أسلوب الصمت والسكوت كما فعل غيره من علية القوم الذين اثروا بسكوتهم سلوك طريق الشيطان الأخرس ، وكذلك لم يعتمد أسلوب المداهنة والمراوغة بل كان واضحا كوضوح الشمس في رابعة النهار ، ورفع راية الرفض للظلم داعياً الناس للإنضمام إلى قضيته فمن قبله قبول الحق فالله أولى بالحق ومن رفض دعوته فيصبر حتى يقضي الله بينه وبين القوم الكافرين ، والله خير الحاكمين .

هذا هو الإمام الحسين (ع) الذي حوله البعض إلى سلعة تجارية وأداة لجني الأموال وجعلوا من فاجعة كربلاء مناسبة للبكاء والإتشاح بالسواد ومهرجانات فولكلورية فارغة من أي مضمون إنساني يتخللها الكثير من التقاليد والعادات البالية المتوارثة والتي تسيء إلى الإمام الحسين وإلى قضيته الإنسانية بل أنّ البعض لجأ إلى أساليب خبيثة فيها الكثير من الشحن المذهبي والتي تثير الفتن والخلافات داخل المجتمع وهم بذلك يعبرون عن حبهم للحسين بأسلوب يزيد .