قبل يومين طالب عدد من المتظاهرين في وسط بيروت الذين يريدون اجتثاث الطقم السياسي، بنزول الجيش اللبناني لتسلم السلطة. كان الأمر نوعاً من الارتجال العابر، لكنه بدا عملياً كأنه صدى لما يحصل في مصر من حملة عاصفة على الفساد.

ذلك ان عبد الفتاح السيسي لم يكتفِ بدفع وزير الزراعة صلاح هلال الى الاستقالة على خلفية تورّطه في الفساد بل أوعز باعتقاله فوراً، وبعدما كرّت سبحة الاشتباه لتطاول وزراء الصحة والأوقاف والنقل والاستثمار والصناعة والسياحة، استقال رئيس الوزراء ابرهيم محلب فكلّف السيسي وزير البترول شريف اسماعيل تشكيل حكومة جديدة.
ثورة السيسي على دولة الفساد بدت نموذجاً مغرياً للمتظاهرين الذين أرادوا قيام ثورة مشابهة ضد دولة الفساد عندنا، وعملياً لا شيء يوازي دولة الفساد العميقة في لبنان سوى دولة الفساد العميقة في مصر، والدليل ان السيسي اضطر بعد ثورتين أطاحتا مبارك ومرسي إلى ان يطلق ثورة ليس من الواضح الى أين ستنتهي، خصوصاً أن سيلاً من الاتهامات ينصبّ الآن على رئيس الوزراء المكلّف شريف اسماعيل!
دعونا من مصر وتعالوا نسأل: أين هو السيسي اللبناني، وهل يسمح الوضع اللبناني بقيام سيسي أو بظهور "سيسية"، وهل التعدد الطائفي والتقاطع المذهبي والكيمياء السياسية المريضة والارتهانات الخارجية الساخنة يمكن ان تسمح بقيام تجربة لبنانية على النحو المصري؟
لقد جاء السيسي بعدما نجح الجيش المصري في منع انزلاق مصر الى حرب أهلية، فهل من المبالغة القول إننا في لبنان في خضم مسلسل من الحروب الأهلية الساخنة حيناً والباردة أحياناً، ولكن على رغم هذا فإن طبيعة النسيج الطائفي المعطوفة على رياح الفتنة المذهبية في المنطقة، تحول بطبيعة الحال دون استنساخ التجربة لبنانياً.
ثم ان الجيش اللبناني الذي يتحمل مسؤوليات هائلة من الحدود في مواجهة الارهابيين الى الداخل لمساندة قوى الأمن في ضبط الوضع ومواجهة التخريب، يعرف في عمق ثقافته والانضباط ان النسيج التعددي اللبناني في تقاطعاته وتناقضاته لا يتسع لتجربة على الطريقة المصرية، ربما لهذا تبدو عملية مقارعة الفساد عندنا عسيرة وصعبة ومعقّدة لأنها تجرى على حافة مهاو طائفية وكيديات مذهبية تغلي في قلوب الجميع تقريباً!
في ١٤ آذار ٢٠٠٥ خرج ثلث "الشعب" اللبناني مطالباً بالحرية والسيادة وقيام الدولة العادلة والديموقراطية، وبعد ١٢ عاماً خرج ثلث الشعب المصري في ٣٠ حزيران ٢٠١٣ في ثورة مشابهة تقريباً... والآن يذهب الوزراء المصريون الفاسدون الى السجن، ولكن ها هي الحركات المطالبة بمحاربة الفساد في لبنان، تتقاطع وتتناقض وتتعرض للاستغلال من المتربصين وقد تضيّع فرصة نادرة لاجتثاث الفساد وإصلاح الدولة!