لم يعد أمام رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي غير خيار واحد وهو كسر حاجز الصمت واختراق الإعتبارات الأخلاقية وتجاوز العلاقات الشخصية ، والإنطلاق بمشروع إصلاحي واسع في كافة مناحي الحياة في العراق والبدء بعملية تطهير للإدارات والمؤسسات وأهمها المؤسسة العسكرية من مافيات الفساد حتى وإن طالت رؤوساً كبيرة مدعومة من دول إقليمية كإيران التي تقف وراء رئيس الوزراء السابق نوري المالكي المسؤول الرئيسي عن الإنهيار الكبير الذي ضرب العراق اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً وخدماتياً .

فالإجراءات الإصلاحية الجذرية التي اتخذها العبادي كانت ضرورة ملحة بعد أن وصلت الأوضاع في البلاد إلى مراحل خطيرة تهدد بإنهيار الإقتصاد والمؤسسات والأمن ، كما أنّها لم تأت استجابة لمطالب الجماهير المنتفضة ودعوة المرجعية الدينية في النجف فحسب ، إذ أنّ الذي عجل بها هو الأزمة الاقتصادية الناتجة عن تراجع الإيرادات بسبب تدني أسعار النفط ، فقد اتخذ العبادي قراراً قبل أسابيع عدة يقضي بخفض الرواتب والمخصصات المالية والإمتيازات للمسؤولين الكبار من مدير عام فما فوق بنسب تصل إلى النصف .

 كما فرض العديد من الضرائب على بعض الخدمات كالإتصالات لتوفير المزيد من الإيرادات لخزينة الدولة الخاوية بسبب استشراء الفساد وتزايد الإنفاق على الحرب و على الإرهاب .

أما قراره الأخير إلغاء ستة مناصب عليا هي نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء فلم يكن أمراً سهلاً لأنه بالتأكيد سيخلق له مشكلات سياسية مع شركائه السياسيين ، لكنه كان مضطراً لإتخاذ قرارات جذرية وسريعة على هذا المستوى من أجل إرضاء الجماهير المحتجة في الشوارع منذ ثلاثة أسابيع وإقناعها بأنّه جاد في عملية الإصلاح والتغيير خصوصاً وأنّ المرجعية الدينية ذات النفوذ الواسع في العراق أيدت تلك الإحتجاجات ودعت العبادي إلى اتخاذ كل إجراء من شأنه أن يصلح الأوضاع ويوقف التدهور.

لا شك أن العبادي كان واقعاً تحت ضغوط كثيرة أوّلها الأزمة المالية الخانقة الناتجة عن تقلص الإيرادات وثانيها تدهور الأمن في شكل خطير ما تطلب زيادة الإنفاق بشكل مفاجئ على أجهزة الشرطة والجيش والمتطوعين وثالثها تراجع الخدمات خصوصاً التيار الكهربائي الذي ينقطع لأكثر من اثنتي عشرة ساعة يومياً في أكثر المناطق العراقية وأخيراً استشراء الفساد في كافة مرافق الدولة وخصوصاً داخل المؤسسة العسكرية وأدى إلى سيطرة الجماعات الإرهابية على أكبر محافظتين في العراق هما نينوى والأنبار بسبب عدم قدرة الجيش على الصمود بوجهها على رغم المبالغ الطائلة التي أنفقت على تدريبه وتسليحه خلال اثنتي عشرة عاماً .

واليوم فإنّ حيدر العبادي أمام التحدي الكبير ، وهو على أبواب فرصة تاريخية لتغيير الأوضاع الفاسدة في العراق وإقامة دولة عصرية قوية تلتزم القوانين وتعامل مواطنيها جميعاً على أساس العدالة والمساواة ، وتوفر لهم الأمن والكرامة وتصون الحريات والحقوق ولا تضحي بها من أجل إرضاء رغبات بعض المتشددين والانتهازيين المرتبطين بدول خارجية.

وقد أكدت مسيرة العبادي خلال الفترة التي أمضاها في الحكم والتي لم تتجاوز السنة الواحدة على أنه الرجل المناسب في المكان المناسب..