وكأنّها نعمة من السماء هبطت على بعض العواصم في منطقة الشرق الأوسط ، فداعش تلك الخلطة الرهيبة من الأجهزة الاستخباراتية والأمنية ، هي بنفس المقدار من الرعب الذي زرعته في مفاصل بعض الأنظمة في المنطقة ، فإنّ بعض الأنظمة الأخرى رأت فيها هبة إلهية يمكن الإستفادة من خدماتها الإرهابية والتكفيرية إذا أحسن اتقان الدخول في لعبة المحاور والأحلاف والمصالح .

فداعش ذلك التنظيم الإرهابي الذي ارتكب من الجرائم والمجازر والذبح والإبادة الجماعية والقتل والتهجير والإغتصاب والخطف في الأماكن الذي حلّت فيها خلافة أبو بكر البغدادي جعلت العالم كله وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية  ينسى أو يتناسى إرهاب ثمانينات القرن الماضي الذي تبنته يومها بعض التنظيمات تبين لاحقاً أنّها ممولة من إيران وبأسلحتها ويبارك للدعوة إلى إنشاء تحالفات دولية وإقليمية لمحاربة هذا العدو الإرهابي الخطير .

فداعش اليوم هو العدو الأول الذي يجب محاربته وسحقه ، ويستحق في سبيل مواجهته أن تتناسى الإدارة الأميركية إن لم نقل تمحو من ذاكرتها كل ممارسات وأعمال التنظيمات الحليفة لإيران والتي تعبث بأمن المنطقة انطلاقاً من لبنان وصولاً إلى اليمن مروراً بسوريا والعراق وبعض دول الخليج .

والحكام الإيرانيون يسوقون أنفسهم على أنهم في مقدمة صفوف التحالف الدولي في التصدي لإرهاب داعش ومحاربته بغية القضاء عليه ، ويدعون دول الخليج إلى التعاون لمواجهة تهديد الإرهاب والتطرف في محاولة للقفز فوق التحفظات الخليجية العميقة حيال الإتفاق النووي بين إيران والدول الغربية.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي لم يكن بريئاً من مسؤولية تضخيم داعش وتسهيل عبور مقاتليها الوافدين من دول غربية عبر الحدود التركية للإلتحاق بصفوف التنظيم ، والذي تردد كثيراً في المشاركة في مواجهة داعش رغم الإنتقادات الأميركية والأطلسية .

فإنّه اليوم وبعد الإنتخابات التركية الأخيرة والتي حقق فيها الأكراد في تركيا تقدماً ملحوظاً حرم أردوغان من الأكثرية المطلقة يعرض خدماته على دول التحالف لمواجهة داعش سواء بإغلاق المنافذ عبر الحدود أو من خلال السماح للطيران التابع للتحالف الدولي بإستخدام القواعد الجوية التركية وأهمها قاعدة انجرليك بعد طول تردد .

فأردوغان الذي هاله أن يفوته قطار الإستفادة من داعش واستثمار خدماتها فإنه يطالب مقابل مشاركته دول التحالف إعلان الحرب عليها ومواجهتها الحصول على الثمن .

والثمن الذي يطلبه أردوغان يقضي برفع اليد الغربية عن حماية الأكراد سواء في سوريا أو في العراق خوفاً من أن يشكل نفوذهم المتزايد في سياسات البلدين وفي مستقبلهما حافزاً إضافياً للأكراد في تركيا لإزعاج أردوغان وإضعاف حزب العدالة والتنمية .

وعليه فإنّ معظم الأطراف مستفيدة من تنظيم داعش وإرهابه وتوظف خطره لتحقيق المزيد من المكاسب والمصالح ، فقط الدول العربية فإن خطر تنظيم داعش لا يقف عند حدود تهديد أمنها ومصالحها ومستقبل أجيالها بل يتعداه إلى حدود أنّ الفكر الداعشي يقدم نفسه للعالم على أنه أحد منتجات المؤسسة الدينية الوهابية ذات الفكر التكفيري والتي تنطلق من المملكة العربية السعودية.  

وعليه يمكن قراءة المشهد الإقليمي على أنه مصداق للقول ( مصائب قوم عند قوم فوائد )...