" لبنان إلى أين وأي لبنان نريد " ،  عنوان المحاضرة التي ألقاها الدكتور فيليب سالم بدعوة من بيت المستقبل بحضور الرئيس أمين الجميّل وحشد من المهتمين ، وتضمنت المحاضرة مجموعة من الأفكار والمعلومات المهمة يجب التوقف عندها .

لكن لا بدّ من الإشارة بداية إلى أهمية ودور مؤسسة بيت المستقبل ، فهذه المؤسسة انطلقت في الثمانينات من القرن الماضي برعاية الرئيس أمين الجميل وأنجزت العديد من الدراسات والأبحاث والمشاريع وأصدرت مجلة توثيقية تحليلية مهمة تحت عنوان : حاليات، لكن للأسف فقد أدّى الصراع بين الأطراف المسيحية في تلك الفترة إلى قيام القوات اللبنانية باحتلال هذه المؤسسة وتدميرها بعد حرقها ، وقد عمد الرئيس الجميل مؤخراً لإعادة إطلاق هذه المؤسسة في بلدة بكفيا واختار لها سراي ال اللمع الجميلة والرائعة ويشرف عليها عدد من الباحثين والإداريين والخبراء وعلى رأسهم الباحث والإعلامي الأستاذ سام منسى .

وتأتي محاضرة الدكتور فيليب سالم حول الوضع اللبناني والإتفاق النووي الإيراني من ضمن نشاطات المركز المهمة.    

وصف  الدكتور سالم بداية الوضع في لبنان والمنطقة وقال : "في لبنان نرى ملامح إنحلال الدولة ، وعجز السياسيين اللبنانيين عن انتخاب رئيس للجمهورية ،  لبنان اليوم يحتاج إلى رئيس قائد أكثر بكثير مما يحتاج إلى رئيس قوي..."

ووصف الاتفاق الذي تمّ التوصل  بين  ايران والغرب، وروسيا والصين بالتاريخي واعتبر أنّه ليس بمثالي، لن يرضي الجميع ولن يحلّ جميع النزاعات، ولكنه سيؤسس لحوارٍ جدي وعميق بين الغرب وايران وسيصنعِ شرق أوسطٍ جديد، وسينعكس على مستقبل لبنان وسيوفّر فرصة تاريخية يجب استخدامها لإنقاذ لبنان ودور المقاومة سيتغير، ولكن يجب  قبل أي شيءالإتفاق على "أي لبنان نريد".

وقال : " ارتضينا في الطائف أن يكون لبنانُ وطناً نهائياً لجميع أبنائه ، فالولاء للبنان، الأرض والوطن، يجب أن يكون مقدساً .

كما أنّ الولاء لوطنٍ غير لبناننا، يجب أن  يكون مرفوضاً ، فنحن نرفض أن يعلو في لبنان شعار على شعار "لبنان أولاً" .

ورأى أنّ أزمة لبنان الكيانية تكمن في جغرافيته ، فسوريا تحدّه من الشمال والشرق، وتعتبره جزءاً سُلخ منها وتريد استرجاعه ، ومن الجنوب تحدّه اسرائيل وهي دولة عنصرية لا تريد قيامته لأنه يمثل نموذجاً حضارياً مغايراً لها.

وتطرق لموضوع فصل الدين عن الدولة وأعلن : " نحن نريد الدولة المدنية التي لا دين لها ، دينها هو المواطنة ، أبناؤها مواطنون لا رعايا ، متساوون في الحقوق وفي الواجبات...

وإعتبر أنّ الدويلات الطائفية  في لبنان هي أعمق جذوراً وأكبر خطراً على المدى البعيد من الدويلات المسلّحة، وأوضح : شيء واحد نصرّ عليه هو أن يبقى رمزُ البلاد، رئيس الجمهورية في لبنان، مسيحيًا ، هذا ليس من أجل لبنان فقط بل من أجل الحضور المسيحي في الشرق كله.

وتحدث بإسهاب عما وصفه "بلبنان الثالوث " أيّ الحرية والتعددية الحضارية والديموقراطية  وهو واجب الوجود للبنان ، دونه يزول معنى لبنان ، هذا الثالوث هو الرسالة ، وحده لبنان من جميع أوطان هذا المشرق يملك هذه الرسالة .

هذا هو سرّه ، فهو نموذج مغاير للدولة العبرية التي تحدّه من الجنوب وهو نموذج مغاير أيضاً للدول العربية والإسلامية التي تحده من الشرق ...

وحده لبنان من كل دول المنطقة لا دين للدولة فيه ، ووحده يملك التعددية الحضارية التي تتخطى حدود الأديان إلى الحضارات ، هنا في هذه البقعة الصغيرة من الأرض تعانق حضارة الشرق حضارة الغرب .

هنا تعيش وتنمو الحضارة الفرنكوفونية إلى جانب الحضارة الانكلوسكسونية إلى جانب الحضارة العربية ، بدون وجود أي مؤشر لـ " صراع الحضارات".

إنّ مسار التاريخ يتجه نحو عالم واحد ، نحو "قرية كونية" ، نحو تعددية حضارية ، نحو معانقة الآخر،  ومن يرفض معانقة الآخر سيبقى خارج التاريخ .

وأعلن : تهتزّ الأرض في هذا الشرق بسبب حروب وصراعات تعتنق ايدولوجيات إلغائية ، من الثورة الإسلامية في إيران ، إلى "طالبان"، إلى "القاعدة" ومشتقاتها ، إلى "داعش" ومشتقاتها ، إلى اسرائيل ، كلّهم يريدون إلغاء الآخر .

وحده لبنان يريد معانقة الآخر ، وهنا تكمن قوته ، في هذا المناخ الإيجابي الجديد بعد الاتفاق النووي، نريد أن نتفاوض مع العالم لبناء لبنان جديد ،  تعالوا نقدّم هذا الثالوث المتمثل بالحرية والتعددية الحضارية والديمقراطية إلى العالم كمدخل للحل في لبنان وفي الشرق. ..

وتوجه أخيراً إلى اللبنانيين قائلاً : إنّ الاحباط ليس خيارًا ، ولربما نختلف في أمور كثيرة ولكن كلنا نريد لبنان نموذجًا للحرية وللتعددية الحضارية وللديمقراطية.

هذه بعض الأفكار المهمة التي طرحها الدكتور فيليب سالم في بيت المستقبل وهي تستحق النقاش والحوار فلبنان والمنطقة يتجهان نحو مرحلة جديدة بعد الإتفاق الدولي حول الملف النووي الإيراني وعلينا الإستفادة من هذه الفرصة حسب رأي الدكتور سالم ، فهل نعي ما يجري حولنا كي لا نغرق في الزبالة والنفايات .