في خضم التطورات التي تشهدها المنطقة العربية ، وفي زحمة الأحداث المتلاحقة ودخول أطراف تبحث عن مصالح لها على إيقاع الواقع العربي المتشرذم الذي أفسح بالمجال لدول إقليمية كإيران للتمدد خارج حدودها مستعرضة قوتها من خلال دعم جماعات لها داخل بعض الدول العربية لتحريكها عندما تقتضي الضرورة ، فيما الولايات المتحدة الأميركية تبحث عن مصالحها مستفيدة من الحروب المدمرة للبنى العربية بحيث تحقق مكاسب مزدوجة ببيع أسلحتها للفرق المتناحرة .

في ظلّ هذا الواقع جاء التقارب السعودي الروسي بحيث تمكنت الدولتان من فتح نافذة جديدة للتعاون المشترك وتعزيز المزيد من العلاقات المميزة والمصالح المشتركة وكفرصة لقطع الطريق على أّية محاولة تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار المنطقه ولإعادة توازن القوى فيها .

ومن هنا جاءت زيارة ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو الأسبوع الماضي تلبية لدعوة الحكومة الروسية ، وإجراؤه محادثات مع أرفع القيادات الروسية بحيث شكلت نقلة دبلوماسية جاءت في وقتها .

فروسيا التي تعيش عقوبات إقتصادية فرضتها مجموعة الدول الصناعية السبع بعد الإحتلال الروسي لجمهورية القرم ، مع تزايد الأنباء عن تجميد أرصدة روسية في الخارج فيما سجل الإقتصاد الروسي انكماشاً بشكل ملحوظ متأثراً بهبوط أسعار النفط وإنهيار العملة الوطنية ، فإنّها تدرك تماماً أنّها في حاجة إلى شريك إستراتيجي ومهم وقوي في منطقة الشرق الأوسط وبالتوازي فإنّها لا يمكن أن تبقى متصلبة برأيها السياسي ومن دون أن تجد حلولاً بديلة لكثير من الأزمات وأهمها الأزمة السورية .

وعليه فإنّ الزيارة التي أسفرت عن عزم السعودية بناء 16 مفاعلا نوويا للأغراض السلمية ومصادر الطاقة والمياه والإستثمار في المجال الزراعي ، فإنّها شملت جوانب متعددة في التعاون المشترك الفضائي والنووي والعسكري والتعليمي ، ما يشير إلى أنّ الأبواب شرعت أمام البلدين لتبادل الخبرات وفتح المزيد من التعاون في شتى المجالات .

وقد خرجت روسيا من هذه الزيارة بصفقات إقتصادية عدة ستساعد في تحسين الإقتصاد الروسي وأيضاً بثقة دول الخليج بها ومن ثم تحسين موقفها الدبلوماسي والسياسي تجاه بعض القضايا الإقليمية . وبالتالي فإنّ السعودية استطاعت أن تختار الجهة التي ستفتح عليها نافذتها لتطل منها ، ومن حقّها أن تختار الشريك القوي ، وإن كان هذا الإختيار مصدر إزعاج للولايات المتحدة الأميركية ولبعض الدول الإقليمية المؤثرة منها إيران وإسرائيل والتي تحاول كل منهما فرض السيطرة والهيمنة على دول الجوار .

ففي السياسة تتبدل المواقف ولكن مصالح الأوطان تبقى ثابتة ولا يحق لأحد التنازل عنها .