إنّ أحداً لا يستطيع إلا أن يستنكر المشاهد الوحشية التي تضمنتها الأشرطة المسربة عن تعذيب وإهانة السجناء في سجن رومية ، ولا حاجة للتأكيد على أنّ مثل هذه الممارسات مرفوضة جملة وتفصيلاً  ، وهي موضع شجب وإدانة بأقسى عبارات الإستنكار ، ولا بد من إنزال العقوبات اللازمة بحق العناصر الأمنية التي ارتكبت مثل هذه التجاوزات الغير إنسانية كي تكون عبرة لكل من يخرج عن حدود الوظيفة والمهمة الموكولة إليه.

إلا أنّ الظروف ألتي أحاطت بهذه الأشرطة وتوقيت تسريبها وردات الفعل الغاضبة على هذه المشاهد الإستفزازية في عدة مناطق لبنانية ، من طرابلس إلى أماكن في بيروت الغربية إلى سعدنايل في البقاع وصولاً إلى مدينة صيدا حيث قام الأهالي بالتجمهر والاحتجاج وقطع الطرقات استنكاراً وشجباً . والشعارات التي رفعت منددة بوزير الداخلية نهاد المشنوق ، بدت وكأنّ هناك استهداف للطائفة السنية بعدما أوحت مشاهد الأشرطة على أن السجناء المستهدفين بالضرب والإهانة هم من المساجين الإسلاميين ، وكذلك للنيل من رموز الإعتدال في هذه الطائفة وللتيار الذي ينتمون إليه .

وبالتالي التصويب على مؤسسة قوى الأمن الداخلي وخصوصاً شعبة المعلومات المتهمة أصلاً بأنّها محسوبة على التيار المستهدف ، وفي مكان ما بدا وكأنّ هناك محاولة لدق اسفين في العلاقة بين وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير العدل أشرف ريفي ، وهما ينتميان إلى فريق سياسي واحد ويمثلان تيار المستقبل في الحكومة السلامية .

وذهب البعض إلى حد تحميل وزير الداخلية تبعات ما يحصل داخل سجن رومية ومطالبته بالإستقالة بحجة الحرص على حياة العسكريين المختطفين لدى تنظيم داعش وجبهة النصرة وخوفاً من مغبة إقدام هذه الجماعات الإرهابية على أيّ عمل إنتقاماً لسجناء رومية ويستهدف هؤلاء العسكريين .

كل هذا يفرض سؤالاً كبيراً حول من يقف وراء تسريب هذه الأشرطة المذلة؟

ولماذا إختيار هذا التوقيت وبعد مرور عدة أشهر على حصول الواقعة ونشر هذه المشاهد المؤذية؟

أيا تكن الإجابة إلا أنّه لا بد من الإشادة بالسرعة في التحرك من قبل المعنيين لتطويق ذيول وتداعيات مشاهد هذه الأشرطة – الفتنة ، بحيث  أظهرت التحقيقات التي قام بها النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود بأنّ عمليات تعذيب السجناء الثلاثة هي فردية وغير ممنهجة ولم تكن بناءً على طلب أحد. والمصادر القضائية قالت إن التحقيقات أظهرت ان اثنين من السجناء الذين تعرضوا للضرب لا علاقة لهما بالموقوفين الإسلاميين .

ولا بد من الاشارة إلى أنّ جهود وزير الداخلية إستطاعت ملاقاة مساعي وزير العدل في إطفاء نيران الفتنة وقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر ، وتفويت الفرصه على محاولات الإيقاع بين الوزيرين مع الدعم الكامل لهما من قبل رئيس الحكومة تمام سلام وعلى الجهود المبذولة لتجنيب البلد شرور أيّ فتنة مذهبية ، مع التأكيد على أنّ الجهة التي قامت بعملية تسريب الأشرطة الفتنة لا تقل وحشية ولا هدف لها غير إثارة الفتن داخل المجتمع اللبناني .