تفاعلت في الساعات القليلة الماضية قضية نشر الأفلام المصورة عن تعذيب المساجين في سجن رومية، وقد لقيت هذه الجريمة البشعة ردود فعل منددة من العديد من الأوساط الرسمية والدينية والشعبية وخرجت التظاهرات والإعتصامات في العديد من المناطق ، وعلى الصعيد الرسمي تحرّك وزير الداخلية نهاد المشنوق بشكل سريع إن من خلال توقيف المتهمين بالتعذيب أو عبر عقد مؤتمر صحافي لتوضيح كل الحقائق حول ما جرى وتحمل المسؤولية وإتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع تكرار ما جرى، كما اتخذ وزير العدل الإجراءات العملية على الصعيد القضائي .

وبغض النظر عمن قام بهذه الجريمة وعمن تعرض للتعذيب ، فإنّ ما جرى يعتبر جريمة إنسانية حتى لو كان بعض هؤلاء قد نفذوا ايضا جرائم إرهابية إعترفوا بها ، فالقضاء هو الذي يحاسب هؤلاء ويصدر بحقهم الأحكام المناسبة.

لكن مع إدانة هذه الجريمة وأيّة جريمة أخرى ترتكب بحق أي انسان سواء في لبنان أو في خارجه وبغض النظر عمن يرتكب الجرائم أو على من تقع الجرائم، لا بد من تسجيل بعض الملاحظات على الصعيد السياسي ولمنع إستغلال ما جرى من أجل إعادة الفوضى إن في داخل سجن رومية أو لمنع عودة العنف والفوضى إلى بعض المناطق اللبنانية وإستغلال ما جرى لتصعيد أجواء التوتر والسجالات والصراعات السياسية أو للتحريض على تبني خطاب طائفي أو مذهبي.

ومن هذه الملاحظات:

أولاً : لا يجوز كلما حصل حادث أمني أن يتم وضعه في خانة الصراع المذهبي والطائفي بل يجب التعاطي معه من زاوية إنسانية وأمنية وحقوقية صرفة.

ثانياً: إن إستغلال ما حصل من أجل نشر التحريض المذهبي والدعوة لتبني خطاب عنفي وتشجيع الشباب للإنضمام للجماعات المتشددة والإرهابية لا يخدم أحداً في لبنان ، بل سيدفع الأوضاع نحو المزيد من الخراب.

ثالثاً: إنّ العودة للقضاء وللسلطات الرسمية والأجهزة المعنية لضبط الأوضاع ومنع أي إنتهاك لحقوق الإنسان هو الخيار الطبيعي والوحيد ، وخصوصاً إذا كان من يحمل هذه القضية حريصاً على الدولة ومؤسساتها كما يعلن ويقول.

رابعاً:  لقد بدا واضحاً أنّ هناك من يستغل ما جرى من أجل تحسين مواقعه الشعبية والسياسية إن داخل تياره السياسي أو على صعيد المنطقة التي ينشط فيها وهذا الأمر يشير لخطورة هذا الإستغلال وإنعكاساته الخطيرة مستقبلاً .

خامساً : المطلوب إدانة إنتهاك حقوق الإنسان من جميع القوى السياسية والحزبية والدينية وعدم اقتصار الأمر على جهات معينة سياسية ومذهبية وبذلك يتم قطع الطريق أمام عودة الفتنة إلى العديد من المناطق ، وعلى الجميع تحمل المسؤولية في هذا المجال.

سادساً وليس أخيراً : لقد تزامنت هذه الفضيحة مع المعلومات والمعطيات التي تشير إلى أنّ لبنان والمنطقة يتجهان إلى التصعيد السياسي والأمني في الأيام المقبلة وأنّ ما يجري في المخيمات الفلسطينية يكشف خطورة الأوضاع القائمة وهذا يتطلب المزيد من الوعي والهدوء في التعاطي مع الأحداث وعدم الإنجرار إلى المزيد من التصعيد.

إنّ إدانة ما جرى يجب أن لا يمنعنا من الدعوة كي يتحمل كل المجرمين ثمن جرائمهم وكذلك يجب إدانة كل من يريد استغلال ما جرى في الصراعات السياسية وتحسين مواقعه الشعبية والحزبية .