بكثير من الدراية والحكمة حاول الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط معالجة ذيول المجزرة التي أقدم على إرتكابها عناصر من جبهة النصرة في بلدة قلب اللوز في ريف إدلب في الشمال السوري منذ عدة أيام بحق السكان من طائفة الموحدين الدروز ، والتي أدّت إلى سقوط  أكثر من أربعين ضحية قضى معظمهم ذبحاً على ما جاء في بعض التقارير الصحفية .

وقد شكلّت هذه المجزرة صدمة لدى الدروز في لبنان وكان لها وقع الصاعقة على الزعامات الدرزية . وكان لافتاً موقف النائب وليد جنبلاط الذي استطاع أن يخفض منسوب الإستفزاز بين الدروز في سوريا وفصائل المعارضة المسلحة ، ومن بينهم جبهة النصرة ذات الطابع السني ،عندما وصف المجزرة بأنّها حادث فردي  ، وأنّ النظام هو المسؤول عما آلت إليه الأوضاع في سوريا ، أخذاً في الإعتبار وضع دروز سوريا كأقلية تتعايش مع الحروب هناك بين مطرقة النظام وسندان الجماعات المعارضة المسلحة.

وربما وعلى ضوء موقف النائب جنبلاط وبحصيلة الإتصالات التي أجراها مع مسؤولي العواصم الإقليمية المؤثرة في الميدان السوري وخصوصاً  تلك التي لها تأثير مباشر على جبهة النصرة ، جاء الرد من زعيم الجبهة إيجابياً محاولاً التنصل من المسؤولية عن هذه المجزرة وحصرها ببعض العناصر الغير منضبطة ، والتي ستتعرض للمساءلة والمحاسبة لأنّها خرجت عن تعليمات أميرها وبسبب مخالفتها الواضحة لتعليمات القيادة .

إلا أنّ دراية النائب جنبلاط ومحاولة تنصل أمير جبهة النصرة من المسؤولية لا تحاكيان المشهد السوري الواقعي ، بحيث لا يمكن إخراج هذه المجزرة من البرميل المذهبي المتفجر في سوريا وفي باقي دول المنطقة المشتعلة بنار الحروب الطائفية والمذهبية .

وبالتالي من الصعوبة بمكان تأمين الحماية للأقليات الدينية المنتشرة على أراضي الدول التي تجتاحها هذه الحروب العبثية كسوريا والعراق ومن بينهم طائفة الموحدين الدروز .

لقد وجد الدروز في سوريا أنفسهم بين خيار الوقوف على الحياد في المعارك التي تدور في مناطق تواجدهم ، والتفسير الوحيد لذلك من جهة النظام هو موالاتهم للمعارضة ، أو خيار المشاركة في المعارك إلى جانب النظام ما يعني إصطفافهم إلى جانبه مع ما يترتب على ذلك من ردود فعل خصوصاً من قبل الجماعات الأكثر تطرفاً في المعارضة مثل داعش والنصرة ، وهي مجموعات إرهابية وتكفيرية في الأصل وليست بحاجة إلى تبريرات لإرتكاب جرائمها بحق من تعتبرهم مخالفين لها في الرأي أو في العقيدة أو في الموقف .

في هذا الإطار جاءت المذبحة التي تعرض لها الدروز في سوريا على يد أحد قادة جبهة النصرة من غير السوريين كرد على الدور الذي لعبه عدد من مقاتلي الموحدين الدروز في السويداء إلى جانب النظام في المعركة الأخيرة التي انتهت بهزيمة مقاتلي الجماعات المعارضة هناك وإنسحابهم من المناطق الإستراتيجية التي سبق أن سيطروا عليها في هذه المحافظة.

من الطبيعي أنّ هذا النوع من الجرائم لا يمكن أن يأتي إلا في مصلحة النظام الذي يستغله في مصلحة الخيارات التي يطرحها على المواطنين ( أنتم معي أم مع هؤلاء الإرهابيين؟ ) ، في الوقت الذي لا يتورع فيه النظام من ترك المناطق التي يعجز عن حمايتها بيد الجماعات الإرهابية والتكفيرية التي تستسهل عملية قتل وذبح كل من لا يدين لها بالولاء والطاعة .

لا شكّ أنّ أزمة الأقليات في سوريا بإستثناء الأقلية العلوية الحاكمة أزمة عيش ومصير ، ينطبق هذا على المسيحيين والدروز مثلما ينطبق على الأكراد.

والتعاطي مع هذه الأقليات سواء من قبل النظام أو من قبل الجماعات الإرهابية لا يترك لهم غير الخيارات الصعبة إما الخنوع أو الرحيل أو دفع الجزية بما تيسر !!!