جاءت المحنة الأخيرة للدروز في قرية قلب لوزة السوريّة، حيث قتلت "جبهة النصرة" ما بين 20 و23 شخصاً، لتعيد إلى الواجهة مسألة الرابط العابر للحدود الوطنيّة بين أبناء الطائفة الدرزيّة.

 

فقادة الدروز اللبنانيّين، على اختلاف مواقفهم، تعاملوا مع الجريمة وكأنّها تحصل داخل نطاقهم الوطنيّ المباشر، إن لم يكن نطاقهم البيتيّ.

 

ولئن ظهرت أصوات بين دروز إسرائيل تتناول المسألة على نحو يمكن وصفه بالحميم، فثمّة بين المسؤولين الإسرائيليّين من استغلّ الحدث، استغلاله وجود دروز إسرائيليّين، لمدّ جسور مع دروز سوريّا ومطالبتهم باعتماد خيارات محدّدة.

 

ونعرف أنّ هذا الواقع الدرزيّ لطالما تسبّب بانتقادات ظالمة للدروز، انتقاداتٍ شكّك أصحابها بانتمائهم الوطنيّ وغمزوا من قناة "العلاقة بإسرائيل".

 

والحال أنّ هذا البُعد العابر للحدود الوطنيّة مفهوم جدّاً، خصوصاً اليوم. فصغر الطائفة الدرزيّة عدداً وتوزّعها على بلدان أربعة (لبنان وسوريّا وإسرائيل والأردن) يجعلها أكثر جهراً بما تقوله، أو تفعله الطوائف الأخرى الأكبر عدداً.

 

لكنّ هذا السلوك يتضامن مع واقع أخطر هو أنّ دول المشرق القائمة، في تماهي سلطاتها مع طوائف أو إثنيّات بعينها، إنّما تجعل الولاء الوطنيّ أمراً قليل الإقناع وقليل الطمأنة للضعيف والخائف.

 

وإذ تخوض ميليشيات شيعيّة، لبنانيّة وعراقيّة، حرب الدفاع عن النظام السوريّ، فهذا ما يغذّي الميول القائمة إلى تجاوز الحدود الوطنيّة. وها هو العقد يكتمل مع صعود الحركات التكفيريّة السنّيّة العابرة لتلك الحدود، بل الهادمة لها، على نحو يوسّع رقعة الخائفين في هذه المنطقة ويعمّق خوفهم.

 

وقد شهدنا، في لبنان، في عقد الثمانينات، تمريناً أوّل مصغّراً على بعض ما نراه اليوم، كان فيه الدروز والمسيحيّون الفاعلين الأساسيّين. آنذاك، وفي ما عُرف بـ "حرب الجبل"، تعاون المسيحيّون الخائفون من السوريّين والفلسطينيّين، مع الإسرائيليّين، ثمّ تعاون الدروز، الخائفون من المسيحيّين، مع الإسرائيليّين إيّاهم. لكنْ قبل قرن وربع القرن على "حرب الجبل"، وقبل قرابة تسعة عقود على نشأة إسرائيل، آلت العلاقات الأهليّة المتصدّعة بين المسيحيّين والدروز إلى حرب معروفة.

 

أمّا في تجربة أخرى، فشهيرة حادثة لجوء الفدائيّين الفلسطينيّين، الذين خافوا من تقدّم الجيش الأردنيّ في 1971، إلى إسرائيل التي حملوا السلاح أصلاً لقتالها.

 

وهي وجهة تذرّر وانحلال سوف تجعل حال الجميع، في أوطان الخوف ومجتمعاته، أشبه بحال الدروز. ذاك أنّ ما يضمن الجماعات المفتّتة هو إمّا الخارج، بقواه العسكريّة والسياسيّة، أو بالهرب إليه، وإلاّ فـ "أهلنا" الذين يقيمون في هذا الخارج وراء الحدود. 

 

أمّا الاتّهام بإسرائيل مرّةً، وبالوطنيّة مرّاتٍ، فكلام لا يصيب الحقيقة بقدر ما يبعث على التشكيك إمّا برجاحة قائليه أو بنزاهتهم.