لا يبدو أنّ حزب الله اليوم في وضع يحسد عليه ، فتكلفة إنخراطه في الحرب السورية لدعم نظام الرئيس بشار الأسد كانت مرتفعة جداً من الناحيتين المادية والسياسة .

فإلى خسارته البشرية والعسكرية الباهظة فإنّ مشاركته في الحرب السورية أدّت إلى خسارة دعمه الشعبي في العالم العربي ، وإلى انحسار حضوره السياسي من كونه بطلاً قومياً عربياً تحقق من خلال صراعه مع العدو الإسرائيلي إلى مجرد لاعب محلي في الداخل اللبناني ، وذلك في ظلّ غياب نصر واضح في الأفق لنظام الأسد وإحتمال أن ينتهي الصراع من خلال حل وسط بين الأطراف الخارجية المؤثرة في الصراع السوري .

فعندما طلبت إيران من حزب الله مساعدة نظام الأسد في محاولة للقضاء على المعارضة ، فقد ظن الحزب ومعه إيران أنهما سيتمكنان من التغلب بسهولة على فصائل المعارضة السورية على غرار ما فعله الحرس الثوري الإيراني في ضربه للمعارضة الإيرانية التي تحركت في عام 2009 حيث تمكنت القوات الإيرانية من سحقها بسرعة قياسية بعد إعتقال قادتها ووضعهم رهن الإعتقال ما بين السجون والإقامة الجبرية .

فتدخل أطراف إقليمية لمساعدة الفصائل السورية المعارضة فضلاً عن الجهات المانحة الخاصة الكثيرة التي موّلت إنشاء مجموعات قتالية متعددة لمحاربة النظام ، أدّى إلى تطور الإنتفاضة السورية إلى مواجهات عسكرية عنيفة أغرقت إيران وحزب الله في آتون الصراع السوري بعدما أثبت الأسد عجزه عن التصدي لكل أولئك المعارضين بمفرده .

وسرعان ما تصاعدت مشاركة حزب الله من إرسال مستشارين عسكريين لمساعدة الجيش السوري إلى نشر قوات النخبة وبإعداد كبيرة للقتال على الخطوط الأمامية .

وفي جانب آخر فإن حزب الله وحتى العام 2011  كان يعتبر أنه نصير المستضعفين وسندا للمظلومين في وجه الظالم ، لكن دعمه لنظام يذبح شعبه أسفر عن خسارته القبول الواسع الذي كان يحظى به في العالم العربي ، على أنّ الخطير في الأمر أنّ هناك شريحة واسعة في المجتمع اللبناني ومن كل الطوائف والمذاهب إعتبرت أنّ تورط حزب الله في الحرب السورية هو السبب وراء تمدد الصراع السوري إلى الداخل اللبناني وذلك بعد سلسلة التفجيرات والعمليات العسكرية التي قامت بها بعض الجماعات الإرهابية على مراكز ومواقع لبنانية تابعة لحزب الله والجيش اللبناني .

فالخسائر التي تكبدها حزب الله في سوريا تسببت بدرجة عالية من عدم الإرتياح داخل الطائفة الشيعية لدرجة شعر معها الحزب بأنّه محاصر نتيجة الصراع السوري ، ولا يمكنه إنهاء تورطه فيه من دون أوامر المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي .

وطالما أن إيران ترى أهمية في دعم نظام بشار الأسد عسكريا سيبقى حزب الله في الميدان في سوريا.

فحزب الله لا يستطيع الإنسحاب من سوريا حتى يتمّ التوصل إلى حل للصراع السوري يكون مقبولاً من إيران ، ومن المرجح أن يكون الحل تسوية سياسية تباركها الأطراف الخارجية المؤثرة (أميركا - روسيا - السعودية - إيران  ) ، وتؤدي إلى تشكيل نظام حكم جديد يحافظ على مصالح إيران ، لكن مع فرض قيود جديدة على قدرة حزب الله في العمل داخل لبنان وخارجه .

وعليه فإنّ هامش حركة حزب الله بعد إنتهاء الصراع السوري غيره قبل الحرب السورية ومستقبله سينطوي على آفاق أكثر تواضعاً ، وتحركه سيكون محكوماً بضوابط  إقليمية ودولية تحددها علاقة إيران بالمجتمع الدولي والتي ستحد من مشاكساته وتضع المزيد من القيود على انفلاته .