شاركت في الأيام القليلة الماضية في نشاطين سياسيين وفكريين مهمين، الأول هو الدورة الخامسة والعشرين للمؤتمر القومي العربي والذي تأسس عام 1990 بعد حرب الخليج الثانية بسبب إحتلال صدام حسين للكويت ، وقد شارك في المؤتمر حوالي 220 مفكراً وناشطاً وسياسياً وحزبياً عربياً، والثاني حلقة حوار فكرية معمقة تحت عنوان : الإشكالات المعاصرة حول الدين في المجتمعات العربية والإسلامية وكانت بدعوة من مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي في بيروت وقد حضرها عدد من المفكرين والعلماء والكتاب والباحثين وضمّت شخصيات متنوعة الإتجاهات الدينية والعلمانية والليبرالية، والقاسم المشترك بين النشاطين أنّ الكلمات التي ألقيت والمداخلات التي قدمت فيهما ، أكدّت على وجود مأزق كبير تواجهه حالياً المجتمعات العربية والإسلامية إن على المستوى الفكري أو الديني أو السياسي أو الإجتماعي أو العلمي ، وإنّ هذا المأزق يمتد لسنوات طويلة وإن كانت تجلياته قد ازددات وبرزت بشكل كبير في السنوات الأخيرة في ظلّ ما نشاهده ونعايشه من أحداث وتطورات وخصوصاً تلك الممارسات المشوهة بإسم الدين الإسلامي .

ولن أدخل في تفاصيل الآراء والأفكار والمعطيات التي قدمت خلال النشاطين ، لكن ما أود الإشارة إليه أنّ من يستمع إلى المفكرين والسياسيين والباحثين العرب والمسلمين في هذه المرحلة يمكن أن تنتابه حالة من الإحباط واليأس في ظل ما يجري من أحداث ، والشعور بالعجز عن الوقوف في وجه الدمار والقتل والعنف الذي يمارس اليوم ، إن من قبل الأنظمة والسلطات أو من قبل الجماعات السياسية والحزبية والدينية.

لكن في مقابل الشعور بالعجز والإحباط  ينتاب المراقب الإحساس بالحاجة الماسة إلى وجود مشروع حضاري عربي- إسلامي تجديدي في هذه المرحلة للرد على الأسئلة المطروحة ولمواجهة مختلف التحديات ، ولأول مرة منذ فترة طويلة لا يجد الانسان حزباً معيناً أو مفكراً محدداً أو جهة ما ، لديهم الإجابات الواضحة والمحسومة حول الأسئلة المطروحة والتحديات المختلفة.

وعلى ضوء ذلك أصبحت الحاجة اليوم لعمل عربي – إسلامي مشترك من أجل البحث عن هذا المشروع الحضاري المطلوب اليوم ، ومع أنّ المؤتمر القومي العربي ومن ثم المؤتمر القومي الإسلامي وغيرهم من المؤسسات الفكرية والدينية والحزبية قد سعوا لتقديم أفكار وطروحات حول المشروع النهضوي العربي أو الإسلامي ، فيبدو اليوم أنّ هذه الأفكار لم تعد قادرة على تقديم الإجابات المطلوبة للتحديات المختلفة .

وبموازاة ذلك لا بد من الإعتراف بأنّ كل الأحزاب القومية واليسارية والناصرية والليبرالية والإسلامية قد فشلت في تقديم النموذج المطلوب للنهضة والتطور وإقامة الدولة العادلة والمتطورة ، ولذا نحن بحاجة لأفكار جديدة وتجديدية وجريئة كي نواجه مختلف التحديات ، فمن يتصدى لمثل هذه المهمة الشاقة اليوم؟