ليس لأن طرابلس لا تمتلك مقومات المدينة السياحية ، بل على العكس ، ما تتضمنه طرابلس من آثار وحضارة ومخلفات تاريخية يجعلها تتصدر قائمة المدن المصنفة سياحياً ، غير أنّ الإهمال لآثارها فضلاً عن الأوضاع الأمنية التي مرّت بها جعلها منكوبة .

لن أتحدث عن الأسواق ، والتنوع ، والحمامات والخانات ، والخصائص التي هي حكراً على الشمال ، ولن أدخل في سياق المساجد الأثرية ولا الأنهار وسائر الجماليات التي تتحلى بها المدينة ، بل سأكتفي بموضوعين  ألا وهما ، الجزر النائمة في الميناء والقلعة المهملة .

جزر الميناء :

 

قبالة الميناء وفي عرض البحر العديد من الجزر : الرميلة ـ البقر ـ البلان ـ المقطوعة ـ الفنار ـ السنني ـ النخل - الارانب ـ العشاق ـ طورس – عبد الوهاب .

جزيرة عبد الوهاب هي الأكثر قرباً ومعرفة ، وبعد إقامة الجسر أصبح الوصول إليه بمقدور الكل  "قبل السادسة مساءاً" حيث تقوم البلدية بإقفال الجسر .

كورنيش الميناء ، من أجمل ما يكون ، غير أنه يحتاج لتأهيل ، مقاعد مهملة ، أوساخ على الشاطىء ...

بالعودة إلى الجزر والتي لا يعرف أغلب الشباب الطرابلسي منها إلا "عبد الوهاب ، العشاق ، الأرانب ) ، فقد استطاعت ثلاثة منها أن تكوّن محمية جزر النخل  (النخل ، الأرانب ، السنني )  ، هذه المحمية التي نالت إعتراف دولي من خلال ضمّها الى الشبكة الأوروبية للجزر البحرية في المتوسط ، إضافة الى إدخالها في اتفاقية «رامسار» الدولية والتي تعتبر المحمية مكاناً آمناً لكل الطيور المهاجرة من أوروبا للاستراحة فيها .

 

 

هذه المحمية تأسست عام 1992 ، أما عن ميزاتها فهي :

1- الشاطىء الرملي الذي يشكل بيئة مناسبة لبيوض السلاحف البحرية المعرضة لخطر الزوال كالسلحفاة الخضرراء والسلحفاة الضخمة الرأس ، كما وتترد عليها فقمات البحر الأبيض المتوسّط المهددة بالإنقراض ، إضافة إلى ذلك فتحت الأمواج تشهد مياه البحر عودة الاسفنجات البحرية النادرة ...

2- الطيور التي تزور المحمية وتتخذها موطناَ عديدة : مالك الحزين ، الطير المشتي ، البلشون الرمادي ، الحجوالة ...

3- أما النباتات فهي غنية بالأنواع المميزة منها : الشمرة البحرية ، الماميثا البحري ، النرجس البحري ...

 

هذه الجزر التي تبعد عن شاطئ الميناء حوالى 5.5 كلم وتبلغ مساحتها الكلية 2.4  كم مربع ،بما في ذلك المياه الصخرية المحيطة بها ، قد تكونت منذ كانت المدينة ، وتضم العديد من الأٌثار : بقايا كنيسة إضافة الى بعض المقابر. 

وهذه الكنيسة لها رواية ، إذ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺮّﺭ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻧﻄﺎﻛﻴﺔ " ﺑﻮﻫﻤﻴﻨﺪ " ﻋﻘﺪ ﻗﺮﺍﻥ ﺍﺑﻨﻪ ﻣﻦ ﺃﺭﻣﻠﺔ ﺃﻣﻴﺮ ﻗﺒﺮﺹ " ﻫﻴﻮﻍ ﺍﻷﻭﻝ "ﻋﺎﻡ 1224 م قام ببناء هذه الكنيسة .

وتتضمن هذه الكنيسة ﺑﺌﺮﺍً ﺃﺛﺮﻳﺔ ﻋﻤﻘﻬﺎ 30 ﻣﺘﺮﺍً ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺗﺘﻢ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺳﺤﺐ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﺍﻟﺤﻠﻮﺓ لترتوي أشجار النخيل التي تزين هذه المحمية .

ومن المميزات أيضاً التي تختص بها هذه الجزر نذكر جزيرة رامكين ، والتي تحوي  خنادق ومواقع مدفعية قديمة التي تعود إلى فترة الإنتداب الفرنسي .

 

أما على صعيد التسميات لبعض هذه الجزر فتتعدد الروايات :

فجزيرة سنني  قد سميت بهذا الإسم نسبة للطيور البحرية البيضا التيء تصطف على رؤوس صخورها عند المغيب فتعطي لها شكلاً مسنناً ...

أو حسبما يقال نسبة لصخورها المسننة !

 

أما جزيرة الأرانب ،  فيقال أﻥ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻫﻮﻟﻨﺪﻳﺔ ﻭﺿﻌﺖ ﻋﺪﺩﺍً ﻣﻦ ﺍﻷﺭﺍﻧﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ ﻓﺘﻜﺎﺛﺮﺕ ﺑﺴﺮﻋﺔ .

في حين أن الرواية الأكثر تداولاً هي ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻨﺼﻞ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻓﻲ ﻃﺮﺍﺑﻠﺲ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻭﺿﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﺪﺩﺍً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻷﺭﺍﻧﺐ ﺍﻟﺒﺮﻳﺔ ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ  ﻫﻮﺍﻳﺔ ﺍﻟﺼﻴﺪ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺋﻞ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻤﻨﺼﺮﻡ .

 

هذه الجزر الحاصلة على براءة دولية ، غارقة في إهمال محلي ، فهي بإمكانها أن تكون "هاواي الشرق" وأن تحول الميناء لمدينة سياحية عالمية ، غير أن تناسيها ، وعدم وجود قرار حقيقي بتأهيلها وتحويلها لمرفق سياحي ، جعل حتى الجيل الصاعد من الشمال لا يعلم بهذه الجزر ولا بجماليتها .

 

قلعة طرابلس

 

 

هذه القلعة هي من أكبر القلاع اللبنانية ، بناها الصّليبّيون  في أوائل القرن الثاني عشر خلال حصار المدينة، واتّخذوها مركزًا لحملاتهم العسكرية ، يبلغ طول القلعة 136 مترا وعرضها حوالي 70 مترا، وتتألف من مبنيين داخلي وخارجي، وتحتوي عدة خنادق كل خندق له وجهة سير تختلف عن الاخرى وأحد هذه الخنادق يصل الى شاطئ البحر قرب المرفأ .

يوجد في القلعة عدة أبراج وتتزين قاعاتها بالقناطر ، كما تضم خندقاً داخلياً منقوشاً بالصخر، طوله سبعين متراً، وعرضه بمعدل خمسة أمتار، وعمقه يتراوح بين المترين والثلاثة أمتار.

أما حجارتها فهي من الرمل الناعم تشبه معظم أبنية البحر المتوسط في القدم ، و العلامات المنقوشة عليها ذات خصائص صليبيّة .

 تتألف القلعة من خمسة وعشرين برجاً وحاجباً ، كما يوجد برجين على إرتفاع خمسة أمتار، يقال أنّ السّلطان سليمان القانوني جددهما عام 1521، ولهما أربع فتحات وعدد من المزاغل والمكاحل وبعض الشرفات التي كانت مخصصة للحرس.

أيضاً يوجد بعض الأعمدة القديمة التي تتميز بأشكال هندسية نادرة ، كما يوجد في أعلى القلعة فتحات خصصت للمدافع وعشر فتحات صغيرة.

 

 

 

 

للقلعة، ما عدا بابها الكبير في البرج الأوّل، بابان صغيران يكادان يكونان خفيّين : الواحد في أسفل البرج الثاني عشر والآخر في قاعدة البرج الثاني والعشرين .

ويُقال إنّ هناك مجموعة سراديب سرّية وأقبية محصنة تقود المرء من داخل القلعة إلى خارجها .

وقد وُجِدَ فيها صهريجٌ كبيرٌ في البرج السّابع واثنان آخران في جوار البرج الكبير، بالإضافة إلى ناعورةٍ كانت تُستَعمل لرفع نصيب القلعة من ماء النهر الذي يمرّ إلى جانبها.

 

هذه القلعة مهملة من وزارة الثقافة والسياحية ، فهي تضاهي بعلبك جمالاً وتفوق كل قلاع لبنان ضخامة وغموضاً ، إلا أنها حولت لثكنة عسكرية ، وعلى الرغم من الإهمال الكارثي لها ، ما زال السياح يقصدونها بخجل هي المغيبة عن خارطة السياحة الطرابلسية والشاهقة بعنفوان والمطلة بحضارتها على كل الشمال .

فقلعة طرابلس بإمكانها أن تكون مقصداً لأكبر المهرجانات والفعاليات ...

 

لنتساءل هنا ، لماذا الإهمال لآثار وتراث وحضارة طرابلس ؟

هل لأنها الشمال ؟

إذا ، ذنبك يا تلك الجزر ، ويا قلعتنا ، أنكم توجهتم شمالاً في دولة غيبت كل مشاريعها عن هذا الشمال ؟