أحيا هجوم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على مدينة تدمر السورية، الذي بدأ منذ أيام، المخاوف على مصير المعتقلين في السجن المركزي في المدينة، والذي يحمل ذاكرة سوداء لدى السوريين، بوصفه أقسى المعتقلات الذي ارتكبت فيه مجازر عدة على مدى سنوات. كما يصنّف السجن من قبل العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية على أنه من أسوأ 10 سجون في العالم، حيث يعاني المعتقلون في داخله من ظروف صعبة نتيجة الانتهاكات   التي يتعرضون لها والتي قد ترقى إلى جرائم حرب.

وعمدت قوات النظام السوري ليل الإثنين الماضي إلى نقل أعداد كبيرة من معتقلي السجن من إلى فرع الأمن العسكري في مدينة تدمر، في وقت تتواصل فيه الاشتباكات بين الطرفين في الأطراف الشمالية للمدينة. وقال عضو تنسيقية مدينة تدمر خالد الحمصي لـ"العربي الجديد" إن "النظام أخرج نحو ألف معتقل من سجن تدمر العسكري، ونقلهم إلى فرع الأمن العسكري في مدينة تدمر، ليتم لاحقاً زجّهم في المعارك الدائرة في محيط المدينة مع عناصر تنظيم الدولة الإسلامية".

ويبدو أن هذه الخطوة تأتي بعد خسارة النظام لأعداد كبيرة من عناصره وفقدان خطوط إمداده البرية والمؤمنة جراء المعارك الدائرة في المنطقة، خصوصاً في ظل اعتماد "داعش" على استهداف أرتال النظام واعتماد الكمائن على طريق حمص تدمر الدولي، الطريق الوحيد لإمداد النظام.

وكان النظام السوري قد خسر منذ بداية المعارك في تدمر أكثر من 150 عنصراً، بينهم أكثر من عشرة ضباط، وأغلب القتلى من متطوعي "مليشيا الدفاع الوطني واللجان الشعبية"، سقط معظمهم في معركة السيطرة على حقل الهيل للغاز، كونه كان يعتبر خزاناً بشرياً كبيراً لجيش النظام.

اقرأ أيضاً: الفصائل السورية المسلحة تتقدم خطوة على طريق "التنسيق المشترك"

مبررات الخوف على مصير المعتقلين يعززها أيضاً احتمال لجوء تنظيم "الدولة الإٍسلامية" إلى تجنيدهم في حربه ضد النظام السوري على غرار ما يقوم به في عدد من مناطق سيطرته، بما في ذلك محافظة دير الزور.

وعلى الرغم من استمرار المعارك وخطورتها، يعبر العديد من الناشطين المعارضين عن أملهم في أن يتسبب هجوم "داعش" على المدينة في إطلاق سراح المعتقلين في سجن تدمر الذي يرسخ في ذاكرة السوريين المجازر التي ارتكبها النظام السوري فيه فضلاً عن أساليب التعذيب القاسية.

ويكاد سجن تدمر البعيد عن العاصمة السورية دمشق نحو 200 كيلومتر أن يكون أبرز معالم المدينة الأثرية على الرغم من أنه بني في ظل الانتداب الفرنسي، ليعاد افتتاحه عام 1966 كمعتقل عسكري، سجلت جدرانه بعد سنوات مجازر قل مثيلها في التاريخ.

ففي 27 يونيو/حزيران من العام 1980، شهد السجن أكبر مجزرة راح ضحيتها مئات السجناء معظمهم من تنظيم "الإخوان المسلمين". لا أرقام دقيقة لعدد الضحايا لكن أقل التقديرات تتحدث عن 600 معتقل وهناك من يقول 1200 معتقل، لتتكرر عمليات القتل الجماعي في الأعوام الثلاثة التالية، في حين يستمر قتل المعتقلين إلى اليوم.

يروي معتقل سياسي سابق تواجد في سجن تدمر في منتصف الثمانينيات، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد" تفاصيل تلك المرحلة، قائلاً "عندما أدخلنا إلى الزنازين في سجن تدمر كانت لا تزال الجدران تحتفظ بمقاذيف البنادق، وبقايا من لحم من قضى فيها".

ويضيف المعتقل السابق "سجن تدمر كان أبشع معتقل مررت عليه بحياتي، فهو بالإضافة إلى أنه في وسط الصحراء حيث الحرارة مرتفعة جداً، بناء قديم، صرفه الصحي مكشوف للهواء، والنظافة فيه سيئة للغاية". ويوضح أن "التعذيب النفسي والجسدي أمر يألفه المعتقل في سجن تدمر. فأي معتقل معرض للضرب المبرح إن ارتكب أي مخالفة للنظام العسكري الصارم الموضوع للسجناء، حيث كل عمل محسوب ومقرر وتطبيقه فرض لا مفر منه".

ويستذكر أيام اعتقاله قائلاً "كان جميع المعتقلين يتعرضون للانتهاكات نفسها، لكن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين كان لهم الحصة الأكبر، فمعتقلو الإخوان هؤلاء كانوا يودعون بعضهم البعض كلما كان هناك حمام، حيث في كل مرة تقريباً كان يقتل أحدهم جراء تعرّض الحرس له". ويضيف "كان الحرس يُخرجون يومياً أحد المعتقلين للتسلية، وفي كثير من الأحيان كان يدفع هذا المعتقل حياته ثمن هذه التسلية، التي قد تتضمن إجباره على الشرب من الصرف الصحي أو اختبار مدى تحمله للضرب".

من جهته، يؤكد عمران، وهو معتقل سابق في سجن تدمر خرج منه أخيراً لـ"العربي الجديد"، أن "سجن تدمر يحتوي على أكثر من 10 آلاف معتقل، بينهم سياسيون، لهم قسم خاص يمنع الاختلاط بهم، كما يحتوي السجن على محكمة عسكرية ومحكمة ميدانية تصدر أحكام الإعدام عليهم، وقد نفذت العديد من الأحكام". وأضاف "هناك تفنن في إذلال المعتقل في سجن تدمر قد يتجاوز غيره من المعتقلات، من توزيع الطعام إلى الحمام والتنقل"، لافتا إلى أن "العسكري المنشق عن القوات النظامية يمنع من السير إلا على قدميه ويديه، في حين يحمل حذاء عسكرياً في فمه ورقبته".

وقد سبق لمنظمة العفو الدولية أن تطرقت في تقرير أعدته قبل سنوات بعنوان "سجن تدمر في سورية: تعذيب ويأس وتجريد من الإنسانية" إلى حجم الانتهاكات، مؤكدة أن "السجناء يقاسون في سجن تدمر مستوى مروعاً من الوحشية". ونقلت عن أحد السجناء السابقين فيه قوله "الحياة في تدمر أشبه بالسير في حقل ألغام. فقد يفاجئك الموت في أية لحظة، إما بسبب التعذيب أو وحشية السجَّانين أو المرض أو الإعدام".