"بك" ، "آغا"  ، "أمير" ، "باشا" ، "فلاح" ...

تعابير ما زالت متداولة في المجتمع اللبناني القائم في أصله على الإقطاع والملكية ، فالفوقية اللبنانية  المتسمرة والمتفشية (ليست وليدة العصر) .

أما عن معاني هذه الألقاب "المفروضة" فهي بإختصار :

بيك ، لقب اعتبار لأولاد الوزراء والممتازين من العامّة في تركيا ، يُستخدم للمدنيِّين العسكريِّين ، وهو أيضاً لقب حاكم مقاطعة في الإمبراطورية العثمانية.

 "آغا" ، أيضاُ من اللغة التركية ويعني سيد أو رئيس وهو لقب مدني وعسكري كان مستعملا في عهد الدولة العثمانية

في حين الأمير هو لقب تشريفي ما زالت تتوارثه حتى الآن العائلات اللبنانية التي يعود أصلها للمعنيين أو نسبها للأيوبيين وغيرهم من الأمراء الذي حكموا لبنان .

لنجد أنه ما زال يدون على بطاقاتهم الشخصية لقب "أمير" !

والأمر لا يختلف كثيراً عن لقب الباشا او بالأحرى طربوش الباشا !

 

هذه الألقاب هي للعائلات الإقطاعية بشكل خاص ، هذه العائلات المالكة التي تقابلها طبقة "الفلاحين" أي الطبقة الدنيا ، وهي الطبقة العاملة الكادحة (المستعبدة لحد ما) ، والتي تضطهد من المالك الولي بماله وأرضه وجاهه .

 

قد يبدو للقارئ هنا ، اننا نسرد تاريخاً ما في مقالنا ، أو شيء مضى ولم يعد له وجود، غير ان الأمور لم تختلف الآن ، فإن كنّا وظاهرياً تحدثنا بالمساواة ، غير أنه و في الباطن والقناعة ، المالك (مالك) ، والفلاح (فلاح) .

 

عقلية (قد نعتبرها متخلفة ) ، وقد ترفضها الثقافة ويرفضها الفكر المتنور ، ويتعالى عن التفكير بها كل من آمن بالمساواة ، وبمبدأ الكل سواسية كما أسنان المشط .

إلا أنها راسخة في العادات والتقاليد التي هي أهم من العقل والدين ، فالـ "بيك" مثلاً لا يزوج ابنته لسلالة "فلاح" ولو في عصرنا هذا وفي يومنا هذا ، فعار على أحفاد "البيك" أن يأتوا من نسب فلاحيه .

والأمر سيان لسائر العائلات ، فالأمراء لا يتساوون والعامة ، لكل مقام مقال !

 

وقائع ليست مجرد خيال ، ولكنها في عمق الحقيقة ، فـ (أ) مثلاً هي فتاة تنتمي لأحد العائلات الإقطاعية ، وقعت في الخطيئة إذ أحبت شاب من عائلات (الفلاحين) ، مثقف ، متعلم ، ميسور (ما بيشكي من شي) ، غير أن الاهل رفضوا لأن النسب لا يليق بهم ولا بأصولهم !

لتتزوج بأحد أقربائها الذي لا يملك من المواصفات غير أنه (ابن العيلة الكريمة ) .

(س) لم تختلف مشكلتها كثيراً ، إذ أن زميلها في العمل الذي تقدم لخطبتها لا يليق وأصول عائلتها (التاريخية) ، الأمر الذي دفع بوالديها تهديدها بحبسها في المنزل وعدم السماح لها بالعمل إن لم تتركه ، مع التأكيد على عدم الموافقة عليه (ولا بأي شكل) .

 

هذه الحالات التي تفكر بهذه الطريقة ليست نادرة ، هي موجودة وبشكل ملموس و واضح ، لتكون الفتاة "بنت البيك" ، "بنت الأغا" ، "بنت الباشا" ، هي الضحية وتكون أمام حدين إما خسارة قناعتها ، أو "ألخطيفة "

 

في حين الشاب يتحرر من كل هذه القيود (النسب الو) ، فيحق له أن يتزوج بأيٍ يريد ، لأن النسب الشريف هو من سيحدده !

غير أن الكنة (الي مش من المقام) تظل موضع نظرات الدونية من "بيت العم " !

 

عقلية الإقطاعي والفلاح ، هي "مرض" ما زال في لبنان ، ومع المدنية  التي حوّلت الإقطاعي إلى "رجل علم وثقافة" إلا أن وباء عقلية الأجداد ما زالت موضع ميراث ، وما زال اللقب يسبق الاسم ويتبعه ، وما زالت الامتيازات مفروضة بقوة "نحن كنا كذا وهم كانوا ذاك " .

 

فمتى سنتعلم ان نتحرر من الأفكار البالية ، لنؤمن أن المجد نحن من نصنعه وليس الأجداد ؟؟

وليس المهم أن تكون باشا أو آغا أو فلاح ... المهم ما تحققه أنت كإنسان .