دقت ساعة الصفر، ودوّت صفارات الإنذار المرورية في وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها، مبشّرة ببدء المرحلة الأولى من تطبيق قانون السير الجديد، وساعات قليلة تفصل ما بين اللبناني ومخالفاته التي يحب. فغداً الموافق تاريخه لـ22 نيسان 2014، سيكون هو اليوم الأول لتنفيذ قانونٍ أخرته مناوراتٌ حكومية (بعكس السير) على مدى الثماني سنوات الماضية، وستشمل هذه المرحلة تطبيق أربع مخالفات من الفئة الخامسة، التي تتراوح عقوباتها بين السجن من شهر إلى شهرين، وغرامة مالية تصل إلى ثلاثة ملايين ليرة لبنانية، بالإضافة إلى حجز المركبة، ومخالفة واحدة من الفئة الأولى، التي تتراوح عقوبتها بين 50 إلى 70 ألف ليرة لبنانية.

قبل يوم واحد من تطبيقه، زارت "البلد" شوارع العاصمة بيروت، لتواكب استعدادات اللبنانيين لاستقبال المرحلة الاولى من قانون السير الجديد، بعد أن أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي – شعبة العلاقات العامة أنه "بعد صدور قانون السير الجديد الذي يبدأ تطبيقه نهار الأربعاء في 22 نيسان الجاري، ستباشر مفارز السير والقطعات الإقليمية في قوى الامن الداخلي بتنفيذه بالتدرج على عدة مراحل".
وستبدأ المرحلة الأولى، كما أعلنت المديرية، اعتباراً من يوم غد الأربعاء ولغاية نهار الخميس في 30 نيسان الجاري، وسيغلب عليها طابع التوعية على السلامة المرورية، وسيتم تنظيم محاضر بالمخالفات التالية: "السرعة الزائدة، قيادة تحت تأثير الكحول، قيادة تحت تأثير المخدرات، والقيادة المتهورة للدراجات النارية (فئة خامسة) بالاضافة إلى مخالفات القرار الإداري، أي السير خارج أوقات الدوام للدراجات النارية والشاحنات (فئة أولى)"، على أن يتم في وقت لاحق الإعلان عن بدء تطبيق المرحلة الثانية.

التزام نسبي
"فتلة" استطلاعية في شوارع بيروت تبين بأن ما يقارب الثلاثين بالمئة من المارّة بدؤوا يدرّبون أنفسهم للتعوّد، رويداً رويداً على النظام، الذي ستكون مخالفاته موجعة، إذ أن الغرامات العالية لقانون السير الجديد تضع يدها على نقاط ضعف اللبناني المتمثلة بجيبه، ولطالما كان اللبناني "لا يتعلّم إلا من كيسه".
فبدأ إيهاب منذ العاشر من نيسان الجاري بالتدرّب على وضع حزام الأمان، وقام بشراء "طفاية" ووضعها في السيارة، وبدأ بتمرين نفسه يومياً على مراعاة السرعة المطلوبة. وكذلك الأمر، هبة، بدأت بوضع الحزام من أول نيسان ودفعت "ميكانيك" سيارتها الاسبوع الماضي، وقامت بشراء طفاية الحرائق اليوم، وبدأت بوضع هاتفها داخل الحقيبة أثناء القيادة، لتفادي استعماله، مشيرة إلى أن حملات التوعية الخاصة بقانون السير الجديد، هي حملات تخويفية أكثر منها إعلامية "تقوم بتخويف الناس من القانون الجديد وكأنه (بعبع) وكأن قوى الأمن ستبدأ بنهش لحمنا تزامناً مع التطبيق، وتنسى بأن توضح للمواطن بأن هذا القانون هو من أجل سلامته في الدرجة الأولى". مؤيدة الغرامات العالية، بقولها "خلّي العالم تنوجع بلكي ببطلو ولادنا يموتو على الطرقات، وبصير الواحد يسوق عن حالو بس، مش عنو وعن غيرو".
أما حنان فبدأت اليوم بوضع حزام الأمان ، وبدأت بالتمرن على احترام إشارات السير، والالتزام بحدود السرعة المطلوبة، وتخبرنا حنان بأنها بدأت أيضاً بفصل الانترنت "3G" عن هاتفها اثناء القيادة لتمنع نفسها من "الشات"، وأقلعت عن وضع "الماكياج" في زحمة السير، وستدفع "الميكانيك" آخر الشهر فـ"القصة مش مزحة في غرامات كبيرة بتخرب البيوت" كما تؤكّد حنان.

عدم التزام
إلا أن هناك فئة كبيرة من المواطنين ما زالت مستهترة بالقانون وشبه متأكدة بأنه "حبر على ورق" كغيره من القوانين، فأحمد يؤكد لـ"البلد" بأنه لم ولن يلتزم بقانون السير الجديد "قبل إصلاح حال الطرقات"، واصفاً القانون بـ"الكارثة" لعدم توافقه مع الحد الأدنى للأجور، وحال الطرقات في لبنان، لافتاً إلى أن تطبيق مخالفات القانون الجديد ستتزامن مع مشاكل كبيرة مع رجال قوى الأمن فـ"الذي سيكتب له الدركي مخالفة بـ500 ألف ليرة مثلاً، وهو لا يمتلك هذا المبلغ، سيقوم بافتعال إشكالٍ معه ولن يقبل بدفع المخالفة، وأنا أولهم"، ويشكّك أحمد بالاسباب الكامنة وراء القانون الجديد، والتي ستعود بإيرادات عالية جدّاً لصالح الخزينة، رافضاً فكرة أن القانون وُضع لسلامته وسلامة غيره على الطرقات بقوله "المواطن وحياته لا قيمة لهما في لبنان، وسلامتنا هي آخر ما تفكر به الدولة اللبنانية". أما جورج فلم يستعد بعد لقانون السير الجديد مؤجلا الالتزام إلى حين أن يدفع غرامة كبيرة، لإيمانه بأن "اللبناني لا يتعلّم إلا من جيبه".
كذلك الأمر ليندا فهي تقوم اليوم بجميع المخالفات المرورية، معلّقة على ذلك بقولها "لاحقة انضبط، عم جرّب ما خلّي ولا مخالفة بعيني قبل 22 الشهر". يشاركها في عدم الالتزام خالد، ليقينه بأن هذا القانون "فاشوش" و"عمره قصير لا يتجاوز الأيام" كون مصيره الحتمي سيكون كمصير أي قانون آخر في لبنان.

تحدٍ كبير
وهكذا انقسم الشارع اللبناني، بين من بدأ يدرّب نفسه فعلياً على الالتزام بقانون السير الجديد، وبين من علّق التزامه إلى حين ساعة الصفر، وبين رافضٍ لفكرة الالتزام من أساسها، لاعتقاده بأن الدولة اللبنانية أعجز من تطبيق أي قانون. ما يضع قوى الأمن أمام تحدٍ كبير، وامتحانٍ أكبر لا يمكن تجاوزه إلا عبر الاستمرارية بتطبيق القانون من جهة، والابتعاد عن المسايرات ومعاملة الناس سواسية، وليس على مبدأ "ابن الست وابن الجارية".