ألحج ركن من أركان اﻹسلام العظمى ، و هو واجب على كل مسلم ، بشرط اﻹستطاعة ، و لقد ذكر في القرآن أكثر من مرة ، و حض عليه في اﻷحاديث النبوية بشكل كثيف ، لدرجة أنه جاء مقرونا" بالصلاة و الصيام . و إذا عرفنا مفصلية الصلاة في اﻹسلام ، عرفنا مدى اﻷهمية التي تتمتع بها شعيرة الحج عند المسلمين .

لكن المفارقة التي تدعو إلى التساؤل ، و التي تثير العجب أيضا" ، تكمن في أن ثمار الحج لم تؤتي أكلها في أي زمن من اﻷزمان ، منذ نزول حكمه و حتى اليوم ، رغم أهميته العظيمة و غايته المرجوة . و نحن نتكلم هنا ، عن الثمار المعنوية للحج ، التي لم تحقق أي تغيير يذكر ، على المستوى اﻷخلاقي و القيمي ، للمسلمين عامة و للحجاج خاصة ، و لم ترتقي بهم إلى المستوى اﻹنساني ، المتضمن لمعاني المحبة و اﻷخوة و العدالة .

و من المعروف أن الحج قام على مستويين اثنين : اﻷول ؛ طقسي ، شعائري ، يتمثل بأداء مراسم معينة ، كالطواف و السعي و الرجم . و الثاني ؛ معنوي ، يهدف إلى غسل قلوب الحجاج و تطهيرها ، و بعثها من جديد ، قلبا" و قالبا" . و إذا كان المستوى اﻷول ، المتمثل بالطقوس و الشعائر ، يتم تطبيقه بالشكل المطلوب ، رغم بعض الثغرات ، فإن المستوى الثاني ، المتمثل بتطهير النفوس ، ما زال يراوح مكانه ، و كأنه يدور في حلقة مفرغة .

فالحج ، حسب رأيي ، لم يغير شيئا" يذكر في نفوس الحجاج و سلوكهم ، بل زاد في الطين بلة . إن أغلبية الحجاج ، إن لم نقل جميعهم ، اللذين يعودون من تأدية هذه الفريضة ، يزدادون غرورا" و صلفا" و كأنهم قد حرروا فلسطين من الصهاينة ، و هم يمارسون الكذب و الغش ، كما كانت عليه حالهم قبل الذهاب إلى الحج ، و ربما أكثر . يذهب المسلم إلى مكة و هو يحمل في قلبه حقدا" و كرها" لﻵخرين ، و يعود من مكة و قد ازداد حقده و كرهه أضعافا" مضاعفة ، و في ذلك دليل على أن أداء هذه الفريضة لم يقدم و لم يؤخر ، على مستوى نفوس الحجاج و روحيتهم .

و أما الحديث عن الروحانية و الصفاء ، اللذين يجدهما الحجاج في مكة ، فما هما إلا لحظة عابرة ، مرتبطة بمسألة الحنين إلى أي مكان تهفو القلوب إليه ، و تتمنى زيارته . و من هنا نستنتج ، أن الحج ، في حالته هذه ، هو شعيرة زائفة ، حملها اﻹسلام ما لا تطيق من المعاني و الروحانيات ، و هي ، واقعا" ، فارغة المعنى و الجوهر ، مهما حاول اﻹسلام صبغها و تلوينها بالعبارات الرنانة و التأويلات الخيالية ، البعيدة عن الواقع . و زد على ذلك ، هزلية المناسك و سطحيتها ، حيث يشعر المرء ، أنه يقوم بتأدية دور هزلي في مسرحية رديئة ( إعدادا" و حوارا" و إخراجا" ) .

و رمي الجمرات هو أحد هذه المشاهد المضحكة ، و كان من اﻷولى أن يقوم الحجاج برجم بعضهم البعض ، عوضا" عن رجم إبليس ، ﻷن داخل كل منهم شيطان يجب رجمه . و ما يدرينا ، لعلهم لو سمح لهم بذلك ، لما قصروا أبدا" ، و لرأينا الشيعة يرجمون السنة بكل شغف ، و العكس صحيح ، و لرأينا المصريين يرجمون الفلسطينيين بكل إيمان و تصميم ، و العكس صحيح أيضا" ، ..... و هلم جرا" .

أيها اﻹخوة : ما لنا لا نعلن موقفنا بصراحة ؟ هل نحن بحاجة إلى قرامطة جدد لكي يريحونا من هذه المشهدية المؤسفة ؟ الجواب عندكم .