كثرت التحليلات و تضاربت اﻵراء حول حقيقة علاقة نظام اﻷسد بتنظيم الدولة اﻹسلامية في العراق و الشام ، فذهب كثيرون إلى أنّ هناك علاقة وطيدة ، كانت و ما زالت ، تربط بين داعش و النظام السوري ، حتى وصل بهم اﻷمر إلى إعتبار أنّ داعش يقوم بتنفيذ أجندة النظام و سياساته ، مستدلين ﻹثبات ذلك ، بوقائع و إعتبارات عديدة ، منها ما هو سياسي و منها الميداني ، و مشيرين إلى الخدمات التي قدمها هذا التنظيم لنظام اﻷسد جراء سياسته و توجهاته .

أما الرأي اﻵخر فإنه ينفي هذه العلاقة جملةً و تفصيلاً ، معتبراً أنّ تنظيم الدولة هو العدو الرئيسي للنظام و هو الخطر اﻷكبر الذي يخشاه النظام و يحاول القضاء عليه ، محتجين بالصدامات العنيفة التي جرت بين الطرفين في أكثر من منطقة ، ليس آخرها تدمر و القلمون .

و يشير هذا الطرف أيضاً إلى أنّ إعلان الخلافة في منطقة الرقة ، و غيرها من المناطق ، شكل ضربة قوية للنظام ، إن من الناحية العسكرية أو من الناحية المعنوية .

و بين هذا الرأي و ذاك ، تضيع الحقيقة ، و تنحرف البوصلة عن اتجاهها ، فيصبح الحق باطلاً و الباطل حق .

على أن قراءةً متأنيةً ، غير متحيزة ، ستضع اﻷمور في نصابها ، و ستعمل على تفسير الكثير من علامات اﻹستفهام ، و ستوضح الكثير من اﻹبهام و سوء الفهم .

و هذه القراءة الموضوعية تؤكد ما يلي :

منذ بداية الثورة في سوريا ، دأب النظام على مصادرتها ، و إفراغها من مضمونها بشتى الوسائل ، و لقد جهد ، على ضوء ذلك ، في وضع الخطط الكفيلة بتشويه صورة المعارضة ، و تحويلها إلى فزاعة مخيفة ، بغية زعزعة التفاف الجماهير حولها ،  بهدف الحد من نموها و تطورها ، و قد قامت هذه الخطط الممنهجة على مستويين إثنين :

أولاً : إعتماد الخيار العسكري في ضرب الثورة ، ما يؤدي إلى زعزعتها و إنفراط عقدها و قصم ظهرها ، و قد أتى هذا الخيار بنتائج عكسية شكلت ضربة قوية للنظام و أهدافه .

ثانياً :  وصم الثورة باﻹرهاب و إتهامها بالتطرف ، و ذلك بهدف تأليب الرأي العام ضدها ، و إلباسها لبوس الفتك و المغالاة ، ما يؤدي إلى تفريغها من مضمونها التحرري و تحويلها إلى حراك إلغائي ، لا مجال للتعايش معه .

و من هنا فقد قام النظام بإلصاق تهمة اﻹرهاب بكل أطياف المعارضة ، منذ اليوم اﻷول للثورة .

و على ضوء كل ذلك ، فقد سعى النظام جاهداً لخلق التطرف ، و التمهيد لنموه و إنتشاره ، فكان أن أغضى الطرف عن الحركات المتطرفة ، و لم يسعَ إلى اﻹحتكاك بها أو مواجهتها ، لعلمه أنّ هذه الحركات ستشوه سمعة المعارضة من جهة ، و ستسعى إلى ضرب باقي أطياف المعارضة من جهة أخرى ، ﻷنها لا تعترف بالشراكة و لا تتقبلها .

نستنتج من كل ذكر أنّ داعش ليس صنيعة النظام ، و هو لا يقوم بتنفيذ مخطط النظام أيضاً ، بل جلّ ما في اﻷمر أنّ المصالح المشتركة بين الطرفين ، فرضت هذا النوع من العلاقة الغير مباشرة .

لكن الرياح تجري بمَ لا تشتهي السفن ، ﻷن هذا المارد الداعشي الذي خرج من القمقم لن يستطيع أحد لجمه أو قيادته ، و كما لم تتعلم أمريكا من تجربتها القاعدية ، كذلك فإنّ النظام السوري سيكون كمن سمن وحشاً سيأكله في آخر المطاف .

فالتطرف كالثقب اﻷسود ، يأكل اﻵخرين قبل أن يأكل نفسه .