من أكثر الملفات إثارة للجدل بين الأطراف السياسية على الساحة الداخلية اللبنانية هو ملف سلاح حزب الله وخصوصا بعد الإنسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية في الخامس والعشرين من شهر أيار عام 2000 وذلك بسبب الخلل الذي يحدثه هذا السلاح في لعبة التوازنات بين مكونات المجتمع اللبناني فضلا عن أن قرار إستخدامه يتم ويتخذ خارج إطار المؤسسات الدستورية الرسمية والشرعية.

وإذا كان هذا السلاح في مرحلة معينة حاجة لبنانية باعتبار أن حزب الله رفع شعارات تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي (وهو أمر قد تحقق في العام 2000 ) فإنه وبنفس المقدار هو حاجة ايرانية ذلك أن هذا الكم الهائل من الأسلحة المدمرة وهذه المنظومة الكبيرة من الصواريخ المتنوعة والمتعددة والتي تمد به إيران حزب الله فإن من وظائفه الأساسية أنه يشكل رادعا لإسرائيل للحؤول دون قيامها بأي اعتداء على المواقع النووية في إيران على غرار ما فعلت بالنسبة إلى المفاعل النووي العراقي في العام 1981 وقصف المفاعل النووي السوري في دير الزور في العام 2007. فضلا عن أنه حتى العمليات العسكرية التي كانت تقوم بها المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال الإسرائيلي فإن ايران كانت توظفها لمصلحتها في لعبة الصراع الاقليمي والدولي واستطرادا فإن سوريا كانت تستخدم ورقة المقاومة كاحتياط في علاقاتها المتعثرة مع دول العالم.

فعلى الرغم من الشعارات التي يرفعها حزب الله تبريرا للاحتفاظ بمنظومته العسكرية فهذا لم يكن ليلغي أن واقع هذا السلاح المدمر إنما هو حاجة ايرانية لردع إسرائيل عن القيام بأي اعتداء على اي من مفاعلاتها النووية سيما وأن الحكومة الإسرائيلية كانت هددت غير مرة بالقيام بعملية عسكرية لضرب المواقع النووية الإيرانية لاقتناعها بأن العقوبات الدولية وحدها غير كافية لإجبار إيران على إيقاف برنامجها النووي وأنها اي إيران ستستمر في سعيها الهادف إلى بناء قنبلة نووية الأمر الذي تعتبره إسرائيل تهديدا لامنها في المنطقه ويحد من دورها الاقليمي.

أما اليوم وبعد الإتفاق النووي بين ايران والدول الغربية فإن من شأن هذا الاتفاق ان يزيل خطر تعرض إسرائيل لإيران وكذلك فإن كلام الرئيس الأميركي باراك أوباما عن ضمان أمن إسرائيل وقوله ان ( أي إضعاف لإسرائيل خلال عهده أو بسببه سيشكل فشلا ذريعا لرئاسته ) يشكل وكما فسره مراقبون كثر ضمانة لإسرائيل ولامنها في الاتفاق النووى المنوي إنجازه في شهر حزيران القادم.

وهذا يفترض سؤالا ماذا يمكن ان تكون وظيفة سلاح حزب الله بعد الإتفاق النووي؟

خصوصا بعد التراجع وإلى حد بعيد عنوان الصراع مع إسرائيل مع هدوء الجبهة الجنوبية منذ العام 2006 بحيث أصبح التقيد والالتزام بالقرارات الدولية في المنطقة الحدودية في الجنوب نموذجا يستحق الثناء عليه وفي محافظة حزب الله على الأمن على الحدود مع إسرائيل رغم ما يعتبره حزب الله احتلالا إسرائيليا لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا تبريرا لاستمراره بالاحتفاظ بسلاحه وتشريعا للمقاومة.

وفي معرض الإجابة لا بد من الاشارة إلى أن السلاح الذي اغدقته إيران على حزب الله وبغير حدود لم يكن يوما إلا لخدمة المشروع الإيراني التوسعي في المنطقه. وبعد مشاركة حزب الله في الحرب السورية إلى جانب النظام وبطلب إيراني هي وظيفة جديدة أضيفت بسلاحه إلى جانب استمرار وجود أراض لبنانية محتلة من قبل إسرائيل ولو أنها تنتظر قرارا سوريا أمام الأمم المتحده للاعتراف بلبنانيتها.

وبالتالي فإن نشوء الجماعات الإرهابية والتكفيرية في خضم الحروب في سوريا والعراق والتي توالدت على ضفاف المفاوضات النووية ووقوف حزب الله بوجهها للحؤول دون تمددها إلى الداخل اللبناني هو مبرر إضافي لاستمرارية امتلاك الحزب لسلاحه خصوصا وأن هناك عدم انزعاج أميركي وكذلك إسرائيلي من انخراط حزب الله في الحرب السورية لأنه ساهم في إنقاذ النظام السوري من الانهيار ومدد لبقاء الأسد في السلطة حتى يصار إلى إيجاد الحلول اللازمة نظرا للمخاوف الأميركية من انهيار المؤسسات السورية.

وكذلك شكل رادعا حال دون امتداد تنظيم داعش وجبهة النصرة إلى لبنان. وعليه فإن سلاح حزب الله ففضلا عن كونه حاجة ايرانية في المستقبل مع تفجر الساحات العربية بالصراعات والحروب فهو في مكان ما وفي لحظة ما حاجة أميركية يخدم بشكل أو بآخر مصالح أميركية وربما تكون غير مباشرة أو غير منظورة.

مما يعني أن ملف سلاح حزب الله تجاوز البعد اللبناني الداخلي إلى أبعاد إقليمية.