الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل هو كل ما تبقى للبنانيين من ضمانة سياسية يمكن أن تحول دون وقوعهم في مطب الحروب الأهلية المدمرة. فلا رئيس للجمهورية. ومجلس نيابي معطل إلا من بعض القرارات التي تخدم النواب وتصب في مصلحتهم.

وحكومة عاجزة بالكاد تلتئم أسبوعيا حول طاولة مزروعة بقنابل موقوتة. واما باقي المؤسسات والإدارات العامة منها والخاصة فلا يكفيها أمثال الوزير وائل أبو فاعور الذي يلامس بعض مفاسدها ويكشف عن القليل القليل من الجرائم بحق الإنسانية والمتاجرة بأرواح الناس وبلقمة عيشهم بل هي بحاجة إلى أشخاص بمستوى الأنبياء وبرتبة أولي العزم. فروائح الفضائح والرشاوى والصفقات والسمسرات والتزوير تفوح من كل جهاز من أجهزة الدولة لدرجة توحي بأن البلد كله تحول الى بؤرة فساد ومكبا للنفايات ومغارة لعلي بابا والأربعين ألف حرامي.

فالحوار على هشاشته إلا انه يشكل عاملا مساعدا لامتصاص الفائض الاضافي من الشحن المذهبي ويعطل مفاعيل التوترات الأمنية ويساهم في توحيد المواقف السياسية والأمنية والعسكرية في وجه الهجمة الإرهابية التي تغزو المنطقة العربية بأفكار تكفيرية وأدوات متوحشة. وإذا كان هناك ما يمنع على طاولة الحوار مقاربة الملفات ذات الأبعاد الإقليمية إلا انه لا يوجد ما يحظر على المتحاورين طرح الملفات المعيشة والخدماتية والاجتماعية والاقتصادية التي تلامس تفاصيل الحياة اليومية للمواطن الذي ارهقته الضرائب والاتاوات والرشاوى والصفقات بغية مناقشة هذه الملفات ومحاولة إيجاد الحلول الملائمة ولو بالحد الأدنى للأزمات المتراكمة التي ترخي باثقالها على عاتق المواطن خصوصا وأن الطرفين المتحاورين يمثلان الكتلة الأكبر على المستويين السياسي والشعبي.

وهنا يبرز سؤال بعلامات استفهام كبيرة وكبيرة جدا وفحواه. لماذا لم يبادر طرفي الحوار حزب الله وتيار المستقبل إلى طرح المشاكل ومعالجتها بالطريقة التي تحد من الفساد وهدر المال العام وتضمن لخزينة الدولة جباية الأموال الطائلة المهدورة التي تذهب إلى جيوب المتنفذين وحسابات أصحاب الحظوة واستعادتها وكذلك تحصيل الضرائب على البضائع المهربة عبر الموانيء البرية والبحرية؟؟؟

فإذا كان وكما يحاول السياسيون الترويج له من ان معالجة ملف الشغور الرئاسي له علاقة بالمفاوضات النووية بين ايران والدول الغربية. فهل ان إقرار سلسة الرتب والرواتب ومعالجة أزمة الكهرباء والمياه والتعليم والصحة والاتصالات والبيئة والطرقات لها ولغيرها المئات من المشاكل والأزمات ارتباط بالملفات الإقليمية والدولية؟؟

يعني مثلا فهل ان إيران او السعودية أو الولايات المتحدة الأميركية أو الدول الأوروبية تعترض على تنفيذ الخطة الامنية لتشمل كافة الأراضي اللبنانية أو تمانع في انتعاش الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي والسياسي؟ أو أنها لا تريد للبنان أن يكون واحة أمن وسلام ومقصدا للزوار والسائحين؟

بالتأكيد ليس هناك ما يمنع ذلك.

بل ان ما يمنعهم هم وباقي الأطراف السياسية من مقاربة هذه الملفات ومحاولة إيجاد الحلول الملائمة لها هو تورطهم في الفساد ومشاركتهم في اقتسام جبنة الحكم وتوغلهم في تلوث أيديهم بدماء الأبرياء والمتاجرة بأرواح الناس وبلقمة عيشهم. فكلهم في دائرة الاتهام حتى إثبات العكس.