لم يعد خافيا ترحيل الملف الرئاسي من الدائرة اللبنانية إلى الدائرة الإقليمية. فقد تمكن حزب الله ومن خلال إصراره على تعطيل الجلسات النيابية لانتخاب الرئيس من التحكم بإنجاز هذا الاستحقاق وتحويله من ممارسة ديمقراطية داخلية إلى ورقة بيد القيادة الإيرانية التي تدير العديد من الملفات الإقليمية وفق مصالحها تضاف إلى أوراق أخرى استطاعت قيادة حزب الله وببراعة عالية ورؤية واضحة وإصرار مثالي من إعطائها مخزون إضافي من القوة والقدرة على التحكم بلعبة التوازنات السياسية والطائفية ونقلها بكل ثقه بالنفس واستخفاف بالآخرين من الأطراف المعارضة من الساحة الداخلية اللبنانية إلى الملعب الاقليمي حيث يتحكم بها اللاعب الإيراني خلال مفاوضاته مع الدول الغربية وخصوصا مع الأميركيين يستخدمها كأوراق قوة لخدمة مشروعه التوسعي ومصالحه الحيوية.

فمن ملف السلاح إلى الانخراط في الحرب السورية وصولا إلى تعطيل الملف الرئاسي فإن حزب الله لم تعد حتى قيادته الطرف المؤهل للتفاوض على هذه الملفات والتحكم بمصيرها بل أصبحت حصرا بيد الايرانيين بعد أن انحصرت مهمة حزب الله بنقلها إليهم على أطباق من الدماء. لا شك أن الاستحقاق الرئاسي يشكل التحدي الأكبر للبنانيين وانتخاب رئيس جديد للجمهورية بات أكثر من ضرورة ملحة في ظل الأوضاع العربية المتفجرة من حولنا وأمام مخاطر الجماعات الإرهابية ألتي تهدد الاستقرار والأمن في البلد. لكن مع هذا لا يبدو في المدى المنظور ما يشير إلى احتمال الانتهاء من الشغور الرئاسي.

واللافت أن كل دول العالم الكبرى منها والصغرى في شرقي المعمورة وفي غربها أعلنت تضامنها مع لبنان واستنكارها لجمود العملية السياسية فيه ورفضها للفراغ الرئاسي.

إلا أن أي زعيم وأي رئيس لأي دولة من هذه الدول لم يشأ أن يوجه سبابة الاتهام باتجاه المسؤول عن التعطيل والذي يضع العراقيل أمام إجراء الإنتخابات الرئاسية لإنجاز هذا الاستحقاق. بل أن عمليات الاستنكار والرفض بقيت حبرا على ورق دون أن تترك أي أثر يصلح للرهان عليه.

حتى أن مجلس الأمن وفي بيان شامل اقترحته فرنسا وحظي بإجماع الدول ال 15 ألتي يتألف منها المجلس أكد دعمه القوي لسلامة لبنان وسيادته واستقلاله السياسي وعبر عن قلقه البالغ من الجمود المستمر منذ عشرة أشهر في انتخاب رئيس للجمهورية مما يقوض قدرة لبنان على مواجهة التحديات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها. وحض اللبنانيين على التقيد بالدستور وتطبيق الآليات فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية.

دون أي إشارة إلى الطرف المعرقل. وعليه فإن كل النداءات والدعوات الدولية التي تؤكد على استقرار لبنان وأمنه فإنها فشلت في تمكين اللبنانيون من انتخاب رئيس جديد للجمهورية وبقيت عاجزة أمام إصرار طهران على مصادرة هذا الملف وابقائه في عهدتها وتحت وصايتها مع غيره من الملفات اللبنانية المصيرية.