على وَقع أجراس الكنائس التي صادَرها النائب وليد جنبلاط في المختارة، زار العماد ميشال عون كليمنصو، في محاولة رئاسية بدأها منذ أكثر من عام بانفتاح على الرئيس سعد الحريري، ومن ثم على «القوات اللبنانية»، لتصل به الدرب الى جنبلاط مجترح أعجوبة ترشيح النائب هنري حلو.

لم يتعب الجنرال من فتح قبور الحرب على أوتوستراد حالات، ورصد أقبية أجراس الجبل في المختارة، وفتح ملفات الإبراء المستحيل، وها هو اليوم يلجأ الى الخطة المعاكسة التي تتمثّل بلعق الاتهامات السابقة، وفتح أقنية العلاقات الحارة مع المتّهمين السابقين، والاحتفال بالأعياد الثمانينية في بيت الوسط، ومغازلة معراب لعلّ وعسى يتحقّق الحلم الكبير.

من أجل هذا الحلم يستمر الجنرال في مهادنة خصومه والإيحاء بأنّ حواره معهم مستمر، ومن أجل هذا الحلم يزور بيت الوسط وكليمنصو، ومن أجله يعطي «حزب الله» أفضل ما عنده من نماذج تقديم الفواتير الرئاسية، فيصف قتاله في سوريا بـ»القبضنة».

يطمئنّ العماد عون الى الموقف الايراني الذي لن يدخل في أيّ تسوية رئاسية على حسابه، ويطمئنّ أكثر الى أنّ تجربة الدوحة لن تتكرّر، ويطمئنّ الى أنّ حليفه «حزب الله» لا يريد أن يدخل الى التوافق الرئاسي.

بسبب هذا الاطمئنان يستمرّ في سياسة فتح الابواب، خصوصاً مع «القوات اللبنانية»، على قاعدة أن ليس من ضرر في الاستمرار بهذا الحوار، طالما يضع في جيبه القدرة على تعطيل الانتخابات الرئاسية، بقوة إيران و«حزب الله».

وصل الحوار مع «القوات اللبنانية» الى مرحلته الثانية، حيث مِن المقرّر أن تسلك ورقة إعلان النوايا الـ18 (تم إضافة بند جديد) طريقها من الرابية الى معراب، لجوجلة الملاحظات الأخيرة قبل إعلانها للرأي العام، ومن المقرّر بعد ذلك الدخول في حوار من نوع آخر سيبحث في الورقة السياسية، ومن ضمنها الملف الرئاسي.

في هذا الملف ثمة ملامح واضحة لهذا الحوار، فالدكتور سمير جعجع يُدرك وكذلك العماد عون أنّ النقطة المركزية تتمثل في الاجابة على سؤال يتعلق بموقف «القوات» من ترشيح عون. هذا الموقف بات واضحاً خصوصاً بعد المقابلة الأخيرة لجعجع، إذ أوحى بأنّ مرشحه إلى الإنتخابات الرئاسية هو مَن يتبنّى خطاب «14 آذار»، في القضايا المفصلية، مثل موضوع السلاح والحدود والسيادة، وكلها قال فيها العماد عون ما يُناقض بروفيل الرئيس الذي يوافق عليه جعجع.

لذلك سيكون السؤال في المرحلة الثانية لحوار عون وجعجع مرتبطاً بالاجابة على هذه النقاط، وعندها يذهب الحوار الى اتجاه البحث في مواصفات الرئيس ودوره، وبرنامجه السياسي، وهو بحث يقود إما الى توافق على مرشح يؤمّن هذه المواصفات ويوافق عليه كلّ من عون وجعجع، أو وقف الحوار بعد الوصول الى الحائط المسدود، نتيجة إصرار عون على ترشيحه حتى النهاية.

يبدو العماد عون متفائلاً بحواره مع جعجع، ولكن ليس الى درجة توقّع تأييده. هذا التفاؤل مرده الى رغبة عون بتعبئة الوقت الضائع بسياسة فتح الابواب مع الجميع، حتى اذا ما دقت ساعة البحث الجدي يكون هو من منظاره الخاص قد استكمل تأهيل نفسه، كمرشح مقبول من الجميع.

في موازاة هذا السيناريو العوني، ترَى مراجع سياسية أنَّ عون لن يكسب من هذا المسار سوى التعطيل، فالفيتو على وصوله الى بعبدا، ليس داخلياً فقط، بل إنه مرتبط بالتصاقه بإيران وبالنظام السوري. هذا الالتصاق يجعله مرشحاً من هذا المحور، ويضعه أمام مشهد يشبه اتفاق الدوحة، الذي أتى برئيس من خارج «8 و14 آذار».