في الذكرى العاشرة، يجدر بقوى 14 آذار أن تعود إلى عبارة وردت في أحد الأعمال المسرحية، قبل أعوام: «لقد أعطَوْنا الإستقلال، لكنهم نسَوْا أن يرفقوه بـ»طريقة الإستعمال» (mode d’emploi)

لم يتذكّر أحد يوم 8 آذار. وأساساً لم تحتفل قوى 8 آذار بذكرى انطلاقها في أي يوم، لأن لا وجود حقيقياً لجبهة إسمها 8 آذار. هناك «حزب الله» الذي يجمع حوله الآخرين عندما يحتاج إليهم، ثم يعيد تفريقهم. لكنهم جميعاً موجودون قربه، وإذا ابتعد أحدٌ، فإلى أين؟

أمّا 14 آذار فاعتادت إحياء الذكرى كل عام، ووفقاً للظروف والمناسبات. ولا أحد ينكر مهارة 14 آذار في تنظيم الإحتفالات الراقية، من حيث الإخراج الفني والموسيقى التصويرية وما إلى ذلك من مستلزمات المسرح. فهذه المهارة لا تتقنها 8 آذار، ولا يعرفها «حزب الله» لأن لا وقت عنده يضيعه في التفاصيل.

بعد 10 سنوات من انطلاق الحركتين، انتهت تماماً 8 آذار، وورثها «الحزب» الذي كان أساساً وراء إنشائها بهدف الإبتعاد قليلاً عن الواجهة، ريثما تمرّ عاصفة 2005.

وأمّا فريق 14 آذار فلم يسقط، على الأقل في الشكل. وما تزال مكوّناته متماسكة. وبعد خروج العماد ميشال عون منه في العام 2005، والتموضع الأخير للنائب وليد جنبلاط منذ العام 2011، بقي ثابتاً تحالف 14 آذار. والقوى الأساسية الممثلة فيه، من حزبية ومستقلة، حافظت على تماسكها، على رغم الضربات الدموية التي تَعرّض لها قياديوه.

اليوم، في الذكرى العاشرة، تستعد 14 آذار لإنجاز تنظيمي جديد هو «المجلس الوطني»، في موازاة «الأمانة العامة». لكنّ استحقاق 14 آذار لا يكمن في التنظيم أو التماسك الداخلي، بل في القدرة على تحقيق الأهداف التي من أجلها كانت 14 آذار.

ولذلك، يمكن قراءة التحوّلات الداخلية، في السنوات العشر الأخيرة، كالآتي:

خسر فريق 8 آذار تنظيمياً لكنه ربح المعركة السياسية من خلال «حزب الله». وأمّا فريق 14 آذار فهو يربح المعارك التنظيمية ويخسر المعارك السياسية ويقدّم التنازلات، الواحدة تلو الأخرى، منذ العام 2005.

وبعدما كانت له المبادرة في السلطة، بعد خروج سوريا، تراجع تدريجاً لمصلحة «حزب الله» حتى انقلبت الصورة اليوم. فبات «الحزب» هو صاحب المبادرة في السلطة. وبقيت 14 آذار خارج السلطة إلى أن قرّر «الحزب» أن يستعين بها في الحكومة الحالية، لضروراته الخاصة.

إذاً، ورث «الحزب» فريق 8 آذار، وهو يتقدّم واثق الخطى في الداخل: خصومُه اعترفوا له بالبقاء في سوريا وبالسلاح حتى إشعار آخر، وارتضوا محاورته على هذا الأساس. ولا يزعج «الحزب» سوى حراك «داعش» و«النصرة» أمنياً.

وأمّا تحالفاته الإقليمية فتزداد مناعة: نفوذ طهران يزداد بمباركة دولية واضحة، ولا خوف على الرئيس بشار الأسد في سوريا، وفي اليمن يسيطر الحوثيون على جزء كبير من الأرض والقرار.

وهكذا، في الذكرى العاشرة لـ14 آذار، لن يكون مُضِرّاً قيام المجلس الوطني. لكن الأهمّ هو إجراء قراءة واقعية لما وصلت إليه 14 آذار بعد 10 سنوات، والإعتراف بالأخطاء والخطايا التي كانت السبب في تدهور هذا الفريق من ذروة الإمساك بالسلطة إلى حضيض القبول بأيّ تسوية... خصوصاً أنّ هذه الأخطاء والخطايا ما زالت تُرتَكب في العيد العاشر.

إنّ قوى 14 آذار لا تحتاج إلى الهيكليات الجديدة بل إلى التعاون والتنسيق والتخطيط... إلّا إذا كان البعض ينتظر أن يَستكمل «حزب الله» استيعاب 14 آذار بالتقسيط، وهو الوارِث 8 آذار نقداً!