ليست مبادرة ذاتية تلك المؤتمرات والندوات التي تُقام من فترة الى أخرى , بل هي توجيه من السلطة التي قضت على المجتمع المدني , وأبعدته عن وظيفته الاساسية , وأمسكت به من خلال زجّ عناصر تابعين لها ضمن الجمعيات وأمثالها , وساعدتهم على الامساك بهيئاتها الادارية , ومن ثم بدأت بتوجيهها الى عقد مؤتمرات وندوات الهدف منها تنفيس الشارع المحتقن من سلبيات السلوك السلطوي المنطوي على تكاذب سياسي , جعل السلطة بوادٍ والناس بوادٍ آخر . هي حقيقة نلمسها كل ما شاركنا بندوة أو مؤتمر , وذلك عندما ترى المنظمين والداعين همهم مراعاة السلطة وعناصر السلطة , بتقديمهم لإلقاء الكلمات , وجعلهم البارزين في مثل هذه الاجتماعات , وتهميش كل مَن يُخشى منه كلمة حق أو جملة صريحة , والنتيجة هي ندوات ومؤتمرات جلّها المجاملات والتماهي مع السلطة , فتُعقد تلك الاجتماعات والندوات والمؤتمرات وتنتهي وكأنه شيء لم يحصل .

عناوين برّاقة , أهداف جميلة , حضور مميّز , كلمات تُلقى ليس لها علاقة بتلك العناوين والاهداف , ولا تلامس الواقع والحقيقة , تشعر وكأنك امام مريض يعاني من مرض السرطان وهو يتناول حبوب لأوجاع الرأس , وهو يستغرب ويستنكر بأن العلاج لا يؤثر شيئا مع أنه مصر على علاج ليس له علاقة بمرضه .

لقد استطاعت السلطة وأصحابها في لبنان من تقزيم المجتمع المدني وجعلته تابعا لها , فلم تعُد تخشى من اي حراك مدني فتنظر اليه على أنه لعب وتسلية , فأعطته هامشا من التحرك , وتمثلت بقول هارون الرشيد عندما خاطب الغيمَة قائلا لها : إذهبي فأنى تمطرين فخراجك لي , والمستغرب أنها ساعدته في نقل تحركه عبر وسائلها الاعلامية , لتقول للناس أن في البلاد حرية , وإذا حصل حراك بدون تنسيق مع السلطة ولم يصب في مصلحتها , يُحارب ويُشوّه ويُعتم عليه .

في ظل كل هذه الاجواء السوداوية , المحلية والاقليمية , نرى أصحاب السلطة يتكالبون على المناصب ولو على حساب الثوابت التي مزّقوا البلد من أجلها خلال عشرة سنوات ونيّف , وكأنه لم يحصل شيء في المنطقة وفي لبنان , فلا ثوابت ولا قيَم عند السياسيين السلطويين , فممنوع الامس هو مسموح اليوم , ومسموح الامس هو ممنوع اليوم وهكذا دواليك .