لا يمكن لإيران و«حزب الله» إلّا الردّ على عملية القنيطرة. فالمسألة تتعلّق بتوازن الرعب وقواعد فكّ الاشتباك. لكنّهما لن يذهبا إلى «هدم الهيكل»، لأنّ توازن الرعب وقواعد فكّ الاشتباك إيّاها هي التي تمنع ذلك. وبين الخَطّين الأحمرين سيجري الردّ... وفي الزمان والمكان المناسبَين.

يعود المحَلّلون إلى السوابق ليتمكّنوا من استشراف الردّ الذي سيلجأ إليه الإيرانيون وحليفهم اللبناني، بل حليفهم السوري أيضاً. فالضربة الإسرائيلية تمَّت في أرض سوريّة.

ولأنّ من أبرز الكوادر المستهدفين كان نجل القائد العسكري عماد مغنية، فالأنظار تتّجه سريعاً إلى ردّ «الحزب» بعد اغتيال مغنية في دمشق، في شباط 2008. فيومذاك أيضاً تَوَعَّد «الحزب» بالردّ المناسب. ولكنّ هذا الردّ بقيَ قيد الانتظار. وحتى اليوم، هو يرفض اتّهامَه بعملية بورغاس في بلغاريا (تمّوز 2012)، والتي استهدفَت إسرائيليين في باص سياحي، واعتبارها انتقاماً لتصفية قائده العسكري.

ولكن، إذا ثبتت مسؤولية «الحزب» في بورغاس، إفتراضاً، فذلك يعني أنّ ردَّه على إسرائيل قد انتظرَ أربعة أعوام ونصف العام. وهذه فترة انتظار طويلة جداً بالمفهوم العسكري، لكنّها تؤكّد أنّ «الحزب» لا يتعاطى مع المسائل الاستراتيجية بمنطق ردّات الفعل. إنّه يدرس خطواته جيّداً ويدقّق في تردُّداتها المحتمَلة... فالخطأ ممنوع، ولو طالَ انتظار الخطوة سنوات.

واليوم، تدرس طهران و»حزب الله» ردَّهما الممكن على عملية القنيطرة. وبالتأكيد هما يدركان لماذا عمدَت إسرائيل إلى توجيه ضربتها. فالموكب المستهدَف إيراني- لبناني مشترَك، وعلى أرضٍ سوريّة. وهما يفهمان الرسالة التي أراد الإسرائيليون توجيهَها.

وعلى الأرجح، هي تتعلق بخَرق معيَّن لقواعد الاشتباك. وعموماً، يلتزم الإيرانيون وحلفاؤهم هذه القواعد في لبنان وسوريا من دون خروقات مهمّة. وغالباً ما يقع الصدام عندما يعمَد أيّ طرَف إلى خَرق القواعد.

يتخوَّف البعض من قيام «حزب الله» قريباً بعملية صاعقة في الجنوب أو الجولان ضد إسرائيل، بهدف تذكيرها بتوازن الرعب من جهة وطمأنة قواعده إلى أنّه يمسك بزمام المبادرة. لكنّ كبار الخبراء والمحَلّلين يستبعدون هذا السيناريو ويعتقدون أنّ الردّ سيكون مضبوطاً في الزمان والمكان، إذ ليس من مصلحة أحد افتعال التفجير.

فطهران المستهدَفة مباشرةً بكوادرها من الحرس الثوري ليست في وارد تفجير المنطقة، وهي لا ترغب في إطاحة الإيجابيات المحقّقة في علاقتها مع الغرب، والتي تنعكس تراجعاً في العقوبات عليها، خصوصاً في ظلّ معاناتها الماليّة والاقتصادية الناتجة عن انهيار أسعار النفط.

وأمّا «حزب الله» فلم يسبق له أن ارتكبَ خطأً استراتيجياً في المواجهة مع إسرائيل، باستثناء حرب العام 2006 التي تبقى ملابساتُها رهن اتّضاح الخلفيات. فجبهة الجنوب هادئة تماماً منذ انتهاء تلك الحرب. ويحاذر «الحزب» فتحَ جبهتين معاً: أمامية مع إسرائيل وخلفية مع القوى السورية المناوئة للنظام.

ويفهَم «الحزب» تماماً أهمّية كونِه في أفضل أحواله الداخلية منذ عشر سنوات. فهو يخوض غمارَ الحوار مع خصومه، ويتعايش معهم تحت سقف حكومة واحدة، ويشاركهم خطوات التطبيع الأمني والطموح إلى التسويات السياسية.

فإذا قامَ «الحزب» بردٍّ يزعزع الاستقرارَ أو يتسبّب بحرب مع إسرائيل، فإنّ الحوار سيتوقّف، وربّما تسقط الحكومة وتعود عقارب الساعة الأمنية إلى الوراء. وعنذئذٍ، سيبدو «الحزب» وكأنّه خرَق الخطوط الحُمر الدولية، الراعية للاستقرار. وهذه التهمة يسعى «الحزب» جاهداً للتخَلّص منها.

وأمّا نظام الرئيس بشّار الأسد فمِن البديهي أَلّا يفكّر في خَوض مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، فيما هو يقاتل في كلّ الاتّجاهات ليحظى بالغطاء الدولي والإقليمي ويمنع سقوطه ويثبِّت سيطرتَه على أوسع رقعة من الأرض.

لذلك، الاحتمالان الواردان هما: إمّا الردُّ المحدَّد والمحدود، أي الرمزي، الآن. وإمّا تأجيل الردِّ إلى مرحلة أخرى تسمح بأن يكون الردُّ موجِعاً وملائماً لمعادلة توازن الرعب.

وثمَّة مَن يرجّح حصولَ الردّ خارج أرض المعركة، أي خارج الشرق الأوسط، لئلّا يحرج أحداً أو يكون شرارةَ تفجير لا يريدها أحد. فـ»حزب الله» لم يكن متسرّعاً في أيّ يوم، وهو يدرك أنّ الأيام طويلة وأنّ الانتقام طبَقٌ يؤكَل بارداً.