ما يزال التخبط والارتباك في ملف العسكريين المخطوفين سيدَي الموقف، بالرغم من كل التطمينات التي تحاول الدولة عبر وزير الصحة وائل أبو فاعور تعميمها بين الأهالي، لكن ذلك لا يمنع وجود هوّة سحيقة بين ما تقوم به الدولة وبين الجهود التي يبذلها «الوسطاء»، وكان آخرهم عضو اللقاء السلفي الشيخ وسام المصري الذي عاد أمس الأول من الجرود حاملا معه مطالب «داعش» وتعهده بعدم التعرض للعسكريين.
ويبدو واضحا أن ما حمله المصري من مطالب، ضاعف من حجم الارتباك لدى الحكومة التي كان تبنّى عدد من وزرائها تكليف نائب رئيس بلدية عرسال أحمد الفليطي بالوساطة، والذي أكد المصري أن أحدا لا يعرفه من قيادات «داعش».
وقد ترجم هذا الارتباك بلامبالاة رسمية تجاه الشيخ المصري، حيث تشير المعلومات الى أن بعض المعنيين أبلغوه أمس بأن الدولة لا تزال تعمل على مسارات عدة في المفاوضات، وأن جهوده هي من بين هذه المسارات، ولكن من دون أن يحظى بتكليف رسمي، ما طرح تساؤلات حول نية الدولة بتكليف وسيط رسمي من قبلها، وعما إذا كانت هذه المسارات تتعلق بـ «جبهة النصرة»، إضافة الى قضية المقايضة التي لم تأتِ مطالب «داعش» على ذكرها.
وتشير المعلومات المتوفرة لـ «السفير» الى أن الوسيط الوحيد الذي تواصل مع قيادات «داعش» حتى الآن هو الشيخ وسام المصري، وأن «داعش» لا يزال مستمرا في حملته العسكرية على جميع الفصائل والكتائب لإحكام سيطرته على الجرود، وأن أي وساطة مع «جبهة النصرة» لا يمكن أن يكتب لها النجاح من دون موافقة «داعش».
وتضيف هذه المعلومات أن المطالب التي أرسلها «داعش» مع المصري ليست نهائية، وإنما هناك مطالب أخرى أبلغ بها المصري شفهيا وأبلغها الى المعنيين، وتتعلق باعلان الحكومة أمرين إثنين:
أولا، تحييد الجيش اللبناني والمكونات اللبنانية الأخرى عن التدخل بالوضع السوري.
ثانيا، التأكيد على أن النازحين السوريين هم ضيوف وعدم التعرض لأحد منهم، والاستمرار في تقديم الخدمات الاغاثية لهم.
ويؤكد ذلك أن موضوع المقايضة لا يشكل أولوية لدى «داعش»، في حين أن كل الجهود التي بذلها الأهالي والخلافات السياسية التي شهدتها الساحة اللبنانية على مدار أشهر كانت كلها على أساس هذه المقايضة التي لا تزال في علم الغيب.
ويشدد الشيخ المصري على ضرورة أن تتعاطى الدولة بمرونة مع الجهود التي بذلها خلال صعوده الى الجرود، ومع بعض المطالب القابلة للتنفيذ، لافتا الانتباه الى أن تعهد وقف قتل العسكريين مرتبط بالافراج عن سجى الدليمي وعلا العقيلي، وبالحصول على إيجابيات من قبل الدولة اللبنانية.
ويقول المصري لـ «السفير»: «ما زلت مستعدا لاكمال وساطتي، لكنني أحتاج الى تكليف رسمي من الدولة والى حماية لكي أتمكن من الاستمرار»، مشيرا الى أن أولوية الخاطفين هي النازحون السوريون، مؤكدا أنه لم يسمع شيئا من قيادات «داعش» عن المقايضة.
من جهة ثانية، اعلن اهالي عرسال، في بيان، رفضهم الشروط التي اعلنها الشيخ المصري. واصدروا بيانا باسم اهالي عرسال رأوا فيه أن مطالبة «داعش» بـ «منطقة آمنة تمتد مساحتها ما يقارب 660 كلم مربعا ومن ضمنها بلدتنا عرسال»، ستتحول الى احتلال هذه البلدة وجرودها.
وأكد البيان «أن غالبية اهالي عرسال يرفضون هذه المطالب جملة وتفصيلا، وهم لا يريدون بديلا عن الجيش اللبناني، فوحده من يصون الارض والكرامة».
كما أكدوا انه «اذا تمت الموافقة على هذه المطالب تحت اي ضغط او سبب، فاننا نعلن اننا سنتصدى خلف الجيش اللبناني بكل ما أوتينا من قوة وبما نملك، ولن نسمح لهم باحتلال ارضنا واستملاكها، واننا نناشد الدولة اللبنانية ممثلة بالحكومة تعزيز تواجدها في البلدة لحفظ الامن فيها وعدم السماح لهؤلاء المسلحين بالتعدي على كرامات الناس».
وكان أهالي العسكريين أكدوا، بعد لقائهم وزير الصحة وائل أبو فاعور، انهم لمسوا كل الجدية من تحرك الحكومة، وقال: «الوزير أبو فاعور أكد لنا أن الملف يسير على الطريق الصحيح ونحن ملتزمون بالوعد الذي أعطيناه للرئيس تمام سلام بالصمت والتكتم لنستقبل أولادنا بأقرب وقت».
وأكد الأهالي لقد «اصبحنا اليوم على يقين بأن الكل موافق على المقايضة».
وفي هذا الاطار استقبل المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، الشيخ عباس زغيب المكلف من قبل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى متابعة ملف العسكريين المخطوفين، وتم خلال اللقاء التطرق إلى الطروحات التي يتم تداولها لإنهاء هذا الملف، معتبرين بعضها «استخفافا بعقول اللبنانيين، إذ لا بد من أن يحفظ الطرح في المقابل كرامة اللبنانيين وسيادة دولتهم». وطالب قبلان وزغيب «الحكومة والجهات المعنية بتفويض رسمي لأي جهة يرونها مناسبة لإنهاء هذا الملف، مع إعطاء ضمانة من الجهة الخاطفة بعدم المساس بحياة العسكريين المختطفين». كما أكدا «ضرورة تدخل تركيا لحل هذه القضية الإنسانية لما لها من قدرة في هذا المجال».
كما التقى أهالي العسكريين المخطوفين، الأمين العام لـ «الجماعة الإسلامية» إبراهيم المصري، بحضور النائب عماد الحوت وعدد من أعضاء المكتب السياسي. وقال الحوت إثر اللقاء إن «الجميع متفق على ضرورة تقديم كل ما يلزم لتحرير هؤلاء المخطوفين سريعا، ويجب على الحكومة أن تفاوض بشكل واضح ومباشر من دون سقوف أو شروط، وإذا استدعى الامر المقايضة فنحن معها ومع دفع الاثمان المطلوبة بما يحفظ سلامة هؤلاء العسكريين ويعيدهم الى اهاليهم سالمين، وفي الوقت نفسه يحفظ كرامة لبنان وسيادته».