تحت عنوان: "هل تم "تكبير حجر" التدقيق الجنائي المالي كي لا يصيب أحدا؟"، كتب غسان ريفي في "سفير الشمال": في الشكل، أعطى لبنان يوم أمس نموذجا إيجابيا عن عمل مؤسساته الدستورية، فقد أرسل رئيس الجمهورية رسالة حول التدقيق الجنائي الى مجلس النواب الذي سارع الى مناقشتها في جلسة عامة، وأعطى رئيس الجمهورية طلبه وأكثر، حيث أقر التدقيق الجنائي المالي في حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة بالتوازي ومن دون أي عائق او تذرع بسرية مصرفية او خلافها.

 

 


أما في المضمون فإن "تكبير الحجر" بهذا الشكل، قد يمنع المعنيين من رميه أو حتى حمله، حيث أن إخضاع كل هذه "الرزمة الرسمية من المؤسسات" الى التدقيق الجنائي المالي من شأنه أن يفتح الأبواب أمام كثير من "الشياطين" لوضع العصي في الدواليب وصولا الى التعطيل كما سبق وحصل مع شركة "ألفاريز"، خصوصا أن البعض لاحظ بأن السرية المصرفية ما تزال موجودة ولم يصدر أي قرار من مجلس النواب برفعها رسميا، الأمر الذي قد يجد فيه المتضررون فرصة للتذرع بها وعدم التجاوب مع الشركات التي من المفترض أن تسارع حكومة تصريف الأعمال الى إستدراج العروض لتكليف واحدة أو أكثر للقيام بهذه المهمة.

 

 

 

 

بالأمس إرتفعت "طارة القداسة" فوق رؤوس الكتل النيابية التي تلقفت رسالة رئيس الجمهورية حول التدقيق الجنائي، وتنصلت من أي تعطيل أو إعتراض، وتنافست على تبرئة نفسها من تغطية أية مؤسسة، ما أوحى بأن "الشعب اللبناني يشكل مجموعة من المافيات والعصابات تدير البلاد وتتحكم بمقدراته وتمنع حصول التدقيق الجنائي".

 

 

كما لم تخل الجلسة النيابية من الاصطفافات السياسية والطائفية التي ظهرت جليا في جلسة اللجان النيابية المشتركة التي عقدت أمس الأول لمناقشة إقتراحات قوانين الانتخابات، حيث إستمر التناغم العوني ـ القواتي في الاصرار على إقرار التدقيق، والغمز من قناة "تيار المستقبل" وحلفائه وإتهامهم بالعرقلة ما إستدعى ردا من النائب سمير الجسر سارع من خلاله الى تبرئة الساحة الزرقاء والتأكيد على دعم التدقيق الجنائي المالي.

 

 

ترى مصادر سياسية مطلعة أن الكتل النيابية حاولت تبييض ساحتها أمام اللبنانيين، لكنها في الوقت نفسه عملت على بيعهم سمكا في البحر، لافتة الانتباه الى أن ما تم إقراره أمس لن يكون من السهل تنفيذه، فإذا كان التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان شبه مستحيل، فكيف الأمر بكل الوزارات والصناديق والمجالس التي كانت وما تزال تشكل دجاجة تبيض ذهبا للتيارات السياسية.

 

 

وتعتبر هذه المصادر أن حكومة تصريف الأعمال لن تكون الجهة الصالحة لانجاز أي تعاقد مع شركات التدقيق، أولا لكونها لا توحي بالثقة نظرا للتخبط الذي يسيطر على قراراتها، وثانيا لأنها سبق وتعاقدت مع شركة "ألفاريز" وفشلت في الضغط على مصرف لبنان لتأمين المستندات المطلوبة، وهذا يعني أن التعاقد مع هذه الشركات يحتاج الى حكومة فاعلة تكون قادرة على تنفيذ قرار مجلس النواب.

 

 

وتقول هذه المصادر: "حتى لو تم التعاقد مع شركات التدقيق، وحتى لو باشرت عملها، فإن النتائج التي قد تصل إليها من شأنها أن تتسبب بتوترات أمنية غير محسوبة النتائج، بفعل الانقسام السياسي والطائفي، ورفض جمهور كل من التيارات أو الأحزاب أن توجه إليه تهمة الفساد أو هدر الأموال، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي الى تحركات وتحركات مضادة في الشارع، والى أن يضع لبنان وشعبه أمام خيار من إثنين فإما التوترات وصولا الى الحرب الأهلية، وإما غض النظر عن هذا التدقيق الذي وبحسب هذه المصادر تم تكبير حجره لكي لا يصيب أحدا".