يتوقّع مركز أبحاث أميركي أن تقدِّم القيادة الروسية قريباً اقتراحات ترمي الى اخراج الحكومة اللبنانية من الاختناق السياسي المتسبب بعجزها.

كما ترمي الى تكوين اتفاق مشاركة في السلطة داخل سوريا يُنهي الحرب الأهلية فيها. ويشبه ذلك الاقتراح الذي قدَّمته روسيا عام 2013 الى الولايات المتحدة، والذي أنهى أزمة الأسلحة الكيميائية السورية.

وتهدف موسكو باقتراحاتها، استناداً الى ناشط في المركز، الى تقديم نفسها وسيطاً مسؤولاً قادراً على انجاز نتائج ايجابية في وقت تتخبّط أميركا وتتعثر في تحركاتها، الأمر الذي يُرجِّح عدم اشتراكها الفاعل مع روسيا لتحقيق الأهداف المتوخاة.
وقد اختارت القيادة في موسكو ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية للقيام بالمهمة المذكورة، فعيَّنه الرئيس فلاديمير بوتين ممثلاً شخصياً له في الشرق الأوسط وافريقيا، وزوّده التوجيهات اللازمة لبدء تحرّكه الكثيف في لبنان وسوريا. ولم يكن اختياره ناتجاً من ثقة بشخصه فقط بل من خبرة كبيرة وطويلة اكتسبها من جراء تمثيله الكرملين في القضايا الشرق الأوسطية الكثيرة، وكذلك من اتقانه اللغة العربية.
ماذا يحاول أن يفعل بوغدانوف وخصوصاً بعد اجتماعاته المتنوعة في بيروت ولقاءاته في دمشق؟
يحاول الاعداد لمؤتمر في موسكو يشابه مؤتمر جنيف 2 حول سوريا يجتمع فيه ممثلو الحكومة وفصائل الثوار أو المتمردين عليها.

وقد أجرى لهذه الغاية اجتماعات عدة منذ مدّة، وأحياناً يومية، مع أعضاء في المعارضة السورية المتعددة التنظيمات.

أما في لبنان فإنه بمحادثاته مع الأطراف السياسيين فيه وأولهم "حزب الله" رمى الى ازالة العوائق التي حالت حتى الآن دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية على رغم شغور سدتها منذ نحو سبعة أشهر، وذلك على رغم دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري 17 مرة مجلس النواب الى الاجتماع لملء هذا الشغور. وظاهراً يعرف بوغدانوف أن العائق الأهم هو تمسك "حزب الله" و8 آذار بترشيح حليفه العماد ميشال عون للرئاسة الأولى، وتمسك "تيار المستقبل" و14 آذار بترشيح الدكتور سمير جعجع. ويعرف أن أحداً من الفريقين لا يمتلك الأصوات اللازمة سواء لتأمين نصاب جلسة الانتخاب أو لتأمين الغالبية اللازمة من النواب لانتخاب رئيس.

لكنه يعرف عملياً أن العائق الأهم ربما أمام ملء الشغور الرئاسي هو الصراع السعودي – الإيراني الكبير ذو الطابع المذهبي والقومي الذي أخرجته الى العلن وجعلته محتدماً وبكل أنواع الأسلحة الحرب الأهلية الدامية في سوريا. وهو صراع لم يبدُ حتى الآن أنه وجد طريق الحل أو سلكها أو تهيأت ظروف سلوكها. ويبدو هنا استناداً الى معلومات مركز الأبحاث الأميركي نفسه، أن بوغدانوف يضغط، ظاهراً على الأقل، على "حزب الله" لاظهار مزيد من المرونة في موضوع المرشحين للرئاسة، ويعدُه في الوقت نفسه بمساعدات عسكرية له وللجيش اللبناني لمواجهتهما بنجاح تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة".

وما تحاوله روسيا باظهار نفسها قوة قادرة على حل مشكلات في سوريا ولبنان هو تخفيف التوتُّر في علاقتها مع أميركا، وتشجيع الأخيرة على العمل معها على قضايا وموضوعات خارج الشرق الأوسط.
ماذا عن ردّ فعل أميركا على المحاولة الروسية هذه؟
يبدو أنها تركِّز حالياً على مواجهة "داعش" ولا تريد أن يجرَّها أحد الى هدف آخر مثل ازاحة الرئيس السوري عن السلطة، على رغم أن حلفاءها وفي مقدمهم تركيا والمملكة العربية السعودية يريدان ذلك. فاذا أظهرت موسكو أن لديها حلاً ديبلوماسياً لمأزق الأسد والحرب السورية فإن واشنطن لن تكون قادرة على الاستغناء عنها. وموسكو تفعل شيئاً مشابهاً في المفاوضات النووية مع ايران.

اذ من جهة تزوّد الأخيرة وقوداً لمفاعلاتها النووية، وتسعى داخل مجموعة الـ5+1 للحد من قدرتها التخصيبية للأورانيوم. وبذلك تحاول موسكو أن تقنع واشنطن بالاعتماد عليها في السعي الى حل مشكلات أخرى.
الا أن توصُّل بوغدانوف الى نتائج سورية أو لبنانية أمر آخر. فالغالبية العظمى لمعارضي سوريا لا يثقون بروسيا. والذين تتعاطى معهم منهم لا يمثِّلون الثورة السورية. ا

لى ذلك فان روسيا تستفيد من الصراع في الشرق الأوسط لتشتيت أميركا رغم حرصها على مظهر الوسيط المهم. لهذه الأسباب فان واشنطن قد تضع مسافة بينها وبين اقتراحات روسيا في هذه المرحلة. ومن شأن ذلك جعل مهمة بوغدانوف حملة علاقات عامة لا أكثر.