ما تزال قضية الوسطاء في ملف العسكريين المخطوفين تنتظر مزيداً من النضوج والوضوح، في وقت بدا فيه الخاطفون على غير هدى من أمرهم لجهة الشخص الذي سوف يعتمدونه لتسليمه ورقة مطالبهم التي على أساسها ستنطلق عملية التفاوض.

 

وجال وفد من أهالي العسكريين المخطوفين على وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير العدل أشرف ريفي، وخرج بانطباع أن "الدولة تقوم بما تستطيع القيام به"، ليعلّق الآمال على وساطة برأسين: الشيخ أسامة المصري ونائب رئيس بلدية عرسال أحمد الفليطي، وإن كان الرجلان يختلفان حول التكليف الرسمي الذي لا زال بعيداً عنهما.

 

ويبدو واضحاً أن الخاطفين ليسوا على رأي واحد حتى ضمن التنظيم الواحد، وأن ثمة صراع أمراء بحسب الفصائل والمواقع. فبعد أن أعلن الفليطي قبول "داعش" بتكليفه، وحظي أمس بمباركة وزيري الداخلية والعدل، أكد مصدر قيادي في "جبهة النصرة" لوكالة "الأناضول" أن المفاوضات متوقفة تماماً، ولا يوجد أي وسيط يتولى التواصل معهم.

 

وفي هذا الإطار يكشف عضو اللقاء السلفي الشيخ وسام المصري لـ"السفير" أنه تلقى اتصالاً من أحد الوسطاء الذين رافقوه الى الجرود، "وطلب منه الحضور يوم غد الأربعاء للقاء عدد من قيادات الدولة الإسلامية لكي يتسلم ورقة المطالب".

 

ويؤكد المصري أن المتصل أبلغه أنه "لا داعي للتكليف من الدولة اللبنانية"، مشدداً على أن "الدولة الاسلامية ما تزال تعتمد وساطته، خصوصاً بعدما نفذ ما طلبته منه لجهة عقد المؤتمر الصحافي في خيمة الأهالي، وتوزيع شريط الفيديو الذي تسلمه منها على وسائل الإعلام".

 

ويقول المصري:"أنا أتعاطى فقط مع الدولة الاسلامية في الوقت الحالي، الأمور تسير في منحى إيجابي وأنا مستمر في مهمتي وإن شاء الله أستطيع أن أعود الأربعاء بإيجابيات جديدة، خصوصاً أن الدولة اللبنانية مطلعة على كل تحركاتي واتصالاتي".

 

ورأى المصري أن تكليف الفليطي من النائب وليد جنبلاط عرقل جهوده، مبدياً استعداده للتعاون معه "لأن الهدف واحد هو إطلاق العسكريين".

 

في حين يقول أحمد الفليطي "إننا ننتظر حالياً رد الحكومة أو المعنيين أو الوزير وائل أبو فاعور، على الرسالة التي نقلتها من داعش"، مشيراً إلى أن "النائب وليد جنبلاط وأبو فاعور لم يدخلا عبر تكليفي في تحدّ مع أحد"، معتبراً أنهما "يتمتعان بالحد الأدنى من الغطاء الرسمي". وشرح الفليطي أن دور الوسيط هو "أن يكون صندوق بريد فقط، ومجرّد ناقل رسائل بين طرفين لا يلتقيان مباشرة".

 

وأشار الفليطي إلى أن "داعش" لن يطلق عسكريين كبادرة حسن نية "فحسن النية من قبلهم سيكون في شروط غير تعجيزية أخفّ من التي كان يُحكى عنها في السابق. وإذا تجاوبت الحكومة مع هذه المطالب المخففة ولمسوا جواً إيجابياً من الحكومة، نأمل أن يرد الخاطفون بإطلاق سراح البعض، فنفتح ثغرة في جدار هذه الأزمة".

 

كل ذلك يشير الى أن التخبط ما يزال سيد الموقف، والى أن الخاطفين إما أنهم يتبادلون الأدوار لإرهاق الدولة ووسطائها وضمان استمرارهم في التحكم بتحركات الأهالي، وإما ثمة خلاف كبير في ما بينهم يحول دون توافقهم على موقف موحّد يستطيعون من خلاله نقل مطالبهم الى الدولة اللبنانية لانطلاق عملية التفاوض معها.

 

واللافت هو أنه إذا كان الخاطفون يتوزعون بين أمراء ومجموعات وفصائل لا تستطيع اتخاذ أي قرار موحد، فلماذا هذا التخبط ضمن الحكومة والمسؤولين في الدولة؟ ولماذا لا تحسم الحكومة أمرها في هذا الملف بإعلان وسيط وحيد يتسلم مهمة الانتقال الى عرسال؟ ولماذا هذا التنافس بين الوزراء المحسوبين على بعض التيارات السياسية؟ علماً أن تخبط الحكومة يتناغم في بعض الأحيان مع تشتت الخاطفين، بما يساهم عن قصد أو عن غير قصد في عرقلة الملف، فيما المعاناة تخيم على أهالي العسكريين الذين ينتظرون أي بادرة أمل تثلج صدورهم.

 

وقال الوزير نهاد المشنوق أمام وفد الأهالي "لن أفصح عما أقوم به ولن أقول إن كنا قصّرنا أم قمنا بواجبنا، لقد حاولنا وسنكمل في هذا الطريق حتى نرى هؤلاء الأبطال أحراراً في بيوتهم وعند أهلهم وفي ضيعهم". وأكد أن "ما يقوله الشيخ عمر حيدر والمختار طلال طالب يقولانه باسمي وعلى مسؤوليتي".

 

من جهته، شكر حيدر المشنوق، وقال: "نحن نؤيد كل جهد من أجل هذا الملف لإخراج إخواننا العسكريين من جرود عرسال، وأولهم جهد أحمد الفليطي مع دعمه الكامل من أجل تحرير أسرانا". وفي خصوص الشيخ المصري، قال: "لم يأتنا أيّ تصريح من تنظيم الدولة الإسلامية أم غيرها. لقد سُمّي أحمد الفليطي ويؤيدونه ويدعمونه".

 

بدوره، كشف طالب أن المشنوق "قال إن كل الحكومة مع المقايضة"، متمنياً أن "يبدأ العمل اليوم قبل الغد".

 

أما ريفي، بعد لقائه وفد الأهالي، فأكد أن "الدولة فعلت كل ما يمكن فعله إلى الآن ولو بلا نتيجة، لكن نأمل أن تكون المرحلة المقبلة أفضل وان تكون الحظوظ أفضل مما سبق". وأوضح "أنني تعاونت سابقاً مع الفليطي وهو يتمتع بمصداقية عالية جداً واحتراماً كبيراً وأبني عليه رهاناً كبيراً"، كاشفاً أن هناك أيضاً "قناة تواصل مع النصرة لا مصلحة في الكشف عنها حالياً". مجدداً تأكيده "أن حياة العسكريين وحريتهم تسموان على أي ثمن أكان مقايضة أو تبادلاً".