صدر عن الأزهر الشريف في الآونة الأخيرة موقف توقفت عنده وسائل إعلام محلية وعربية ودولية، لكنه كان توقفاً عابراً ولم يحمل في طياته أي نقاش أو متابعة، رغم أنه موقف في غاية الأهمية، ويبنى عليه الكثير من العبر والتوجهات.

فقد نفى الأزهر ما تناقلته بعض وسائل الإعلام لبعض العبارات المقتطعة التي جاءت على لسان مفتي نيجيريا إبراهيم صالح الحسيني خلال كلمته التي ألقاها بمؤتمر الأزهر لمواجهة العنف والتطرف، ناسبة إليه أنه أفتى بتكفير تنظيم "الدولة الإسلامية". وقال الأزهر في بيان صادر عن المشيخة إنه يرفض تكفير (تنظيم الدولة الإسلامية) "داعش".. لأنه لا تكفير لمؤمن مهما بلغت ذنوبه"..

 في حين، قال مصدر مسؤول بمشيخة الأزهر إن "ما تردد عن تكفير "داعش" عبر المواقع الإلكترونية يتنافى مع ما أكده شيخ الأزهر أحمد الطيب، في تصريحات له في افتتاح مؤتمر الإغاثة العالمي، بأنه سوف يجتمع بقيادات الجهات المتصارعة، ولديه استعداد لأن يلتقي حتى بالمتطرفين أنفسهم؛ إن كان في حديثه معهم أمل لإعادتهم لاعتناق أفكار وتعاليم الإسلام الصحيح والابتعاد عن التطرف والإرهاب"..

أبعاد موقف الأزهر الشريف

لقد احتوى موقف الأزهر الشريف معاني كبرى لا بد من تفصيلها والوقوف عندها:

·       أولاً:

إن الأزهر الشريف يريد من خلال هذا الموقف تثبيت فكرة منع التكفير المتبادل كمادة سجال فكري وعقائدي وسياسي، ليس من باب الزجر والفرض، بل من باب فتح باب الحرية الحقيقية التي يتيحها الإسلام للإنسان في كل المجالات، بما فيها العقيدة والفكر، وبالتالي إشعار عموم المسلمين بعدم الهلع وبالاطمئنان إلى وجود مرجعيات كبرى تأخذ دورها وتتحمل مسؤوليتها في حماية الدين الحنيف من موجات التطرف والغلو، مهما بلغت قوتها واتسع نطاق تأثيرها، وبوسائل العصر وبروحية ومقاصد الإسلام.

·       ثانياً:

أن مبدأ رفض التكفير المنطلق من الرحمة في نظرة الإسلام للإنسان، هو مبدأ ثابت وراسخ، ولا يغيره خطأ هذه الجهة أو تطرف تلك.. وأنه حتى المجموعات التي يعتبرها الأزهر متطرفة، تفيد من هذا المبدأ، لتتسع مساحته إلى عموم الحضور الإنساني، غير أن هذا الموقف رسالة لهذه الجماعات تذكرها بأهمية الكف عن التكفير.

وفي خلاصة هذا الجانب، فإن طرح وقف استخدام خطاب التكفير، يمثل طرحاً متوازناً وحماية معنوية للجميع، لا يستطيع أي طرف إنكارها وإنكار أهميتها، وفي عمق المسألة لا تستطيع جهة مثل تنظيم الدولة الإسلامية تجاهل أهمية هذا الموقف وأبعاده، كما لا يستطيع خصوم هذا التنظيم تجاهل ما وضعه الأزهر من ثوابت مشفوعة بإرادة الحوار.

·       ثالثاً:

   إن المواجهة للفكر المتطرف لا تكون بالتكفير المضاد وباعتماد آلية الإلغاء والشطب والإقصاء، أو باعتماد الخيار الأمني والعسكري دون سواه من وسائل المواجهة.. بل هي مفتوحة على منظومة متكاملة، الأمنُ أحد أعمدتها، لكنها قائمة على التكامل بين الأمن والخطاب الدعوي المركز والمنهجي والهادف، والتنمية الاجتماعية والرعاية التربوية والتعليمية..

·       رابعاً:

يخرج هذا الموقف المنفتح على الحوار والنقاش الشرعي والعلمي، عن المسار التقليدي للمؤسسات المرتبطة بمؤسسات الحكم، سواء في مصر، أو في غيرها، ويعطي الانطباع بأن الأزهر في طريقه لأخذ دوره في خوض معركة كسب القلوب والعقول الدائرة على امتداد العالم العربي والإسلامي.

·       خامساً:

يجسد موقف الأزهر في الحقيقة النقيض للفكر المتطرف، من حيث الموقف ومن حيث المبادرة، حيث أكد الأزهر انفتاحه على أقصى الخيارات الممكنة للانفتاح، ومنها الحوار مع تنظيم "الدولة الإسلامية"، حيث أكد شيخ الأزهر أحمد الطيب، بأنه سوف يجتمع بقيادات الجهات المتصارعة، ولديه استعداد لأن يلتقي حتى بالمتطرفين أنفسهم؛ إن كان في حديثه معهم أمل لإعادتهم لاعتناق أفكار وتعاليم الإسلام الصحيح والابتعاد عن التطرف والإرهاب"..

·       سادسا:

يستند الأزهر في رؤيته هذه إلى تجارب تضرب عميقاً في التاريخ الإسلامي، وأهمها تجربة الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز الذي جعل العلماء في الصف الأول للمواجهة الفكرية والشرعية، في مواجهة الخوارج، محاولين استنقاذهم مما هم فيه، بالتوازي مع نشر العدالة ونشر التنمية واحقاق الحقوق إلى أهلها.. وليحقق في أقل من عامين نتائج في غاية الأهمية، وهي تصلح الإفادة منها على امتداد الزمن وتقلب الأيام.

·       سابعاً:

أكد الأزهر أن الغاية هي استنقاذ الناس من التطرف والغلو، وليس جرّهم إلى الأفخاخ الأمنية أو تحويلهم إلى مادة استهلاك للصراع المنفلش في العالم العربي، واعتبار الحوار والعالجة هي السبيل الأقوم والأفضل للتخلص من ظاهرة الغلو والتطرف والعنف الناجم عنها.