شعر اللبنانيون بشيء من الأمل أخيراً ليس لأن فرنسا تحرًّكت لمساعدتهم على إنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية الذي بدأ قبل أشهر، بل لأنها انطلقت من اتصالات أجرتها مع إيران أحد الناخبيْن الاقليمييْن الوحيديْن للرئيس اللبناني، وحصلت بواسطتها من قادتها على موقف يفيد أنهم يؤيدون المرشح الذي يتفق عليه المسيحيون. وقد اطّلع اللبنانيون على هذا الموقف من إعلامهم الذي قال إن فرنسا حضّت طهران قبل أشهر للتعاون لإنهاء الشغور الرئاسي، لكنها لم تحصل على التجاوب المطلوب. ولذلك فضّلت انتظار تغيُّر ما في موقف إيران كي تعود إلى محاولة حل هذه المشكلة الصعبة. وقد ربط الإعلام اللبناني لاحقاً، وخصوصاً بعد زيارة الموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو للبنان، الموقف الإيراني الرافض قبل أشهر ثم المتجاوب الآن بالمفاوضات الدائرة حول الملف النووي الإيراني. وما ساهم في تعزيز الأمل اللبناني عدم مبادرة المسؤولين في باريس وطهران الى نفي الإيجابيات المستجدة في الموقف الإيراني من الموضوع الرئاسي ودورها في تحريك الديبلوماسية الفرنسية في اتجاه بيروت.
أما الآن وقد عاد الموفد الفرنسي إلى بلاده بعد جولة محادثات شملت القيادات اللبنانية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي نتائجها؟ وهل ستسرِّع انتخاب رئيس جديد لجمهورية لبنان؟
المعلومات المُسرّبة حتى الآن عن لقاءاته لا توحي أنه حقق "خرقاً" تاق إليه اللبنانيون. والمواقف الرئاسية لفريقي 8 و14 آذار ولحلفائهما لا توحي أن البلاد دخلت مرحلة الإعداد الجدي لإعادة الحياة إلى قصر بعبدا. والتفاؤل الرئاسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري لم يُترجم واقعاً ملموساً بعد.
وإرجاء جلسة انتخاب الرئيس إلى السابع من الشهر المقبل لا يوحي أن شيئاً تغيّر. فالجلسة قد تكون تكراراً لسابقاتها ومسرحية ملّها الناس، وصار لزاماً على مؤلفيها ومخرجيها وممثليها إبدالها بأخرى جديدة لا تعرقل حياة المواطنين في وسط العاصمة.
إلا أن المعلومات الأكثر أهمية هي الواردة من إيران عن كل المذكور أعلاه. وهي تفيد استناداً إلى مصادر واسعة الاطلاع وغير بعيدة من طهران أن الموقف الإيراني الذي وصف بالإيجابي والمنشور أعلاه ليس صحيحاً. فالمسؤولون في طهران لم يقولوا للفرنسيين أو لغيرهم: "ليختر المسيحيون مرشحاً رئاسياً واحداً ونحن نؤيده وندعمه عند حلفائنا". ما قالته إيران لفرنسا ولغيرها من القوى الاقليمية والدولية المهتمة بالرئاسة اللبنانية فضلاً عن القوى المحلية كان: "نحن لن نتحدّث مع أحد في موضوع الرئاسة. هذا أمر نتشاور فيه مع حلفائنا في لبنان وهم يبتّونه أو يحسمونه". وفرنسا تحاول الإيحاء أن إيران موافقة عليه أو شريكة فيه سواء لأن اهتمامها بلبنان مزمن وعميق، أو لأنها تريد دوراً كونها دولة كبرى كانت عظمى يوماً، علماً أن الموقف الرئاسي المنسوب لإيران موجود ولكن ليس عندها بل عند الفاتيكان الخائف على الوجود والدور المسيحيين في لبنان بل عليهما في المنطقة كلها، وخصوصاً بعد الذي جرى في العراق والذي بدأت تظهر ملامح له في دول أخرى. وفي هذا المجال تشير معلومات ديبلوماسية إلى أن الفاتيكان بدأ يكثّف مساعيه مع القيادات المسيحية في لبنان ومع الدول الكبرى المعنية الاقليمية وغير الاقليمية وذلك من أجل إنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية اللبنانية. وتفيد أنه وصل إلى اقتناع بأن الخطوة الضرورية لتحقيق الهدف المذكور هي تفاهم المسيحيين اللبنانيين على مرشح رئاسي واحد. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل ينجح في ذلك؟ والجواب أن نجاحه صعب أولاً بسبب تشدُّد الزعماء الموارنة المرشحين وفي مقدمهم العماد ميشال عون. وثانياً بسبب عدم وصول حلفاء هؤلاء من المسلمين وداعميهم الاقليميين إلى اقتناع بأن وقت ملء شغور رئاسة دولة لبنان قد حان. علماً أن داخل كل قيادي في "حزب الله"، الذي سيبقى مؤيداً لعون حتى يُعدِّل هو موقفه إذا قرّر ذلك، نقاشاً دفيناً حول ما يجب أن يُفعل حيال هذا الأمر إذا أوصلت المواقف المتشددة البلاد إلى حافة الانهيار والتفكّك. وثالثاً بسبب اقتناع الكثيرين بأن الفاتيكان لا ينجح في تنفيذ خطته إلا إذا تماهت مع خطة الدولة الأعظم وحلفائها. والدليل فشله في لبنان خلال حروب 1975 – 1990، ونجاحه في بولونيا.

sarkis.naoum@annahar.com.lb