لم يبقَ للبناني من استقلاله إلا ذكرى يقرأ عنها في كتب التاريخ، فهي ليست المرّة الأولى التي تغيب فيها مظاهر الفرح والابتهاج عن لبنان في عيد استقلاله، لتحلّ مكانها أجواء تشاؤم وقلق على المستقبل في ظل وضع سياسي متأزم. فغداً سيمرّ عيدك يا وطني خجولاً بأشباه "مسؤولين" فرضوا أنفسهم عليك، واستأثروا برايةٍ لم ولن يكونوا يوماً بحجم مسؤوليتها.

لا عرض عسكريا بمناسبة عيد الاستقلال لهذا العام، فعادةً ما تبدأ التحضيرات له مع بداية الشهر الحادي عشر من كل سنة... إذاً، ألغي العرض. أما الأسباب كما يقيّمها المعنيون، فـ"تتراوح بين الشغور الرئاسي، والمهمات الجسام التي تقع على كاهل المؤسسة العسكرية في ظل الظروف القاسية التي يمرّ بها البلد". أما الشعب اللبناني فله رأيه المغاير، فـ"كيف لوطنٍ أن يحتفل بعيده الوطني وهو لديه أسرى في أيدي الجماعات الارهابية".

على حافة الاستقلال
انقسم الشارع اللبناني كعادته بين "وطنيّ محب، وطني قرفان، ووطني مسخرجي". اختلفوا في التعبير، واتفقوا على حب الوطن الذي ما عادوا يرون به إلاعجوزاً هرما على حافة الاستقلال، فتك بجسده مرض خبيث يدعى الصراع الداخلي، وأثقلت كاهله قيود حديدية خارجية الصنع. وكما في كل عام يعلّق اللبناني عيده الوطني على حافة الاستقلال الحقيقي الذي طال انتظاره.
قامت "البلد" باستطلاع آراء اللبنانيين مع اقتراب هذه المناسبة، لترى إن كان اللبناني ما زال يتذكر بأن تاريخ 22-11 هو ذكرى عيده الوطني. وما الذي بقي له من معاني هذه المناسبة، لنسلط الضوء على نظرة اللبنانيين للاستقلال وتغيراتها في ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها الوطن.

كذبة الاستقلال
يرى بشير بأن 22-11 "هي ذكرى ثابتة في الوطن، ويقال بأنها عيد وطني". ولكنه لا يجد أن تسميتها "بعيد الاستقلال" جائزة، لأن "لبنان مازال مستحلاً من الخارج، عبر إذلال نفوس البعض من السياسيين بعمالتهم للخارج"، ويؤكد بأن لا استقلال للوطن إلا باستقلال الشعب، ولا استقلال للشعب اللبناني إلا "بإقالة المجلس النيابي الممدد لنفسه بإستحلال صوت وحرية الشعب في الخيار السياسي وديمقراطية الإنتخاب". يشاركه الرأي يحيى الذي يؤكّد بدوره بأن لا " طعمة للذكرى"، ولا استقلال للبنان إلا بتحريره من "مجلس العار" المستأثر بالسلطة رغماً عن إرادة الشعب وخياراته المعارضة.
وكذلك الحال عند عمر الذي نسف فكرة الاستقلال من أساسها بقوله "فكرة الاستقلال كانت منذ بدايتها كذبة وما زال لبنان مستحلا من الخارج، فعن أي استقلال ما زلنا نتكلم؟؟". واعتبرت ربى بأن عيد الاستقلال هو "بِدعة، لتصنع الدول الكبرى للبنان عيداً وطنياً، أسوةً بباقي الدول العربية". ورأت خديجة بأن الحديث عن عيد الاستقلال في ظل هذه الظروف عار على الحكومة والشعب اللبناني في ظل غياب رأس الدولة اللبنانية.

عرض رمزي
واختلف اللبنانيون بين معارضٍ لقرار إلغاء العرض العسكري ومؤيدٍ له. فلم يجد أيمن في الأجواء اللبنانية المتردية ما يمنع إجراء العرض العسكري الذي هو "بمثابة تقدير رمزي لتضحيات شهداء الاستقلال، وهو بارقة أمل لكل مواطن يؤمن باستقلال وطنه وحقه بالاستقلال ويعمل على تحقيق ذلك حتى ولو رمزياً".

وكان لسعد رأيه المغاير الذي عبّر به عن تأييده لإلغاء العرض العسكري، لأن العرض الحقيقي يجب أن يكون في ميدان المواجهة، كما يتم اليوم، في محاربة خطر الارهاب القادم من خلف الحدود. وكذلك أماني التي رأت بأن الاحتفال بعيد الاستقلال وإجراء العرض العسكري أمر معيب لأن هناك أسرى للجيش اللبناني في أيادي الارهابيين، فـ"كيف لوطنٍ أن يحتفل بعيده الوطني وهو لديه أسرى في أيدي الجماعات الارهابية".

استقلال استعراضي
ولجمال رأيه المختلف بالاستقلال، فهو يرى بهذه الذكرى "ذكرى الحرمان من الجنسية الفرنسية"، ويفضل هو وملاك لو أن الانتداب الفرنسي ما زال قائماً على للبنان، والذي هو أفضل حالاً من انتداب ميليشيا الأحزاب وتجار الدم وأمراء الحرب. وهزئ من جدوى الاحتفال بقوله "شو نفع الاحتفال اذا الكرسي الأمامي فارغ وعقول الذين يجلسون على المنصة فارغة أيضاً".
أما إيهاب فكان مع اعادة النظر بموضوع العرض العسكري، وليس بإلغائه "بمعنى تغيير آلية العرض على الأقل، على قاعدة تخفيض كلفة العرض لوجستياً ومادياً نظراً للظروف الصعبة التي يتعرض لها لبنان والجيش بشكل خاص"، مؤكداً أن الاستقلال "كان نقطة بداية لنشوء دولة مستقلة متطورة مع التطورات الحاصلة في العالم وإعطاء المواطن أبسط حقوقه، لذا لا نريد استقلالاً استعراضياً بل حقيقياً".

ليس أول مرّة
وعن تاريخ إلغاء العروض العسكرية بعيد الاستقلال في تاريخ لبنان الحديث، وتأثير هذا الإلغاء على رمزية المناسبة وقدسيتها، كان لـ"البلد" حديث مع الخبير العسكري والعميد المتقاعد أمين حطيط، الذي أكد بأن الغاء العرض العسكري بمناسبة عيد الاستقلال ليس السابقة الأولى في تاريخ لبنان، ففي السابق تم إلغاء العرض العسكري الكبير لسبع سنوات متتالية في الحرب الأهلية، كما ألغي في الـ2007 ، بسبب الشغور في كرسي الرئاسة الأولى، بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق إميل لحود.

إلغاء منطقي
ويرى العميد حطيط بأن إلغاء العرض العسكري لهذا العام أمر طبيعي ومنطقي ليس فقط بسبب الشغور، فالسبب الاساسي هو حجم المهمّات المطلوبة من المؤسسة العسكرية، لأن الوحدات العسكرية في الجيش اللبناني مشغولة بمهمات لا تستطيع أن تتخلى عنها أو تؤجلها.
نافياً أن يكون هناك أي علاقة للأسرى، لا من قريب ولا من بعيد، بإلغاء العرض العسكري "فالجيش ليس كشافة ولا جمعية اجتماعية، بل هو جيش وطني دائما ينتظر ما تؤول إليه الحروب من قتل وأسر وانتصارات وبالتالي من الطبيعي أن يكون له مخطوفون بأيادي الجهات الإرهابية التي يحاربها من أجل الحفاظ على استقلال الوطن".
ويشدّد حطيط على أنه لا يمكن لإلغاء العرض العسكري أن يؤثر على رمزية المناسبة، فهذا الالغاء يعكس واقع لبنان، الذي يعيش وسط حالة من عدم الاستقرار، فالوطن يواجه اسئلة كبرى تتعلق بوجوده ودوره، وليس منطقياً إجراء العروض العسكرية الكبيرة التي من الممكن أن تثير الجدل إذا ما جرت في هذه الظروف.