بعد مرور ثلاثة أسابيع على المعركة التي خاضها الجيش اللبناني في التبانة ضد المجموعات المسلحة المتطرفة، باشرت المؤسسة العسكرية العمل على خطين متوازيين في المنطقة: الأول، إستمرار الحملة الأمنية من توقيفات ومداهمات بحثاً عن كل من شارك في إطلاق النار باتجاه الجيش. والثاني، القيام بأعمال إغاثية وتقديم مساعدات عينية للمواطنين والمساهمة في تسريع عمليات الكشف على الأضرار في إطار الهيئة العليا للاغاثة. ويمكن القول إن المؤسسة العسكرية نجحت الى حد بعيد في كسر الجليد الذي تراكم في المرحلة السابقة بينها وبين أهالي التبانة على خلفية التحريض السياسي ضد الجيش وإتهامه من قبل بعض القوى السياسية والدينية بانحيازه لطرف دون آخر. كما نجحت المؤسسة في إستيعاب ردات الفعل الأولية التي نتجت عن المعركة، وذلك من خلال مراعاة حساسيات المواطنين والتعاطي معهم بكثير من الحكمة والحنكة، من دون أن ينعكس ذلك على جدية عملها في التوقيفات والمداهمات ومصادرة السلاح. وكان ثمرة ذلك إلغاء «هيئة علماء المسلمين» للمؤتمر الصحافي الذي كانت بصدد عقده إحتجاجا على «عسكرة» المنطقة، وللحديث عن بعض الممارسات العسكرية في التبانة. وتشير المعلومات الى أنه جرى التواصل بين قيادة الجيش و«هيئة العلماء» التي تم إطلاعها على المخططات التي كانت تنوي المجموعات المسلحة تنفيذها، لا سيما لجهة تلغيم مناطق بأكملها كانت ستتعرض لأضرار كارثية لو تم تفجير العبوات الناسفة التي تم تفكيكها من قبل الخبراء العسكريين، فضلا عن التأكيد على أن الجيش خاض معركة صعبة ودقيقة للغاية، وهو سيكون في التبانة بين أهله، وسيعمل من أجل إعادة الأمن والاستقرار إليها، من دون أن يتراجع عن مهامه في ملاحقة كل المتورطين باطلاق النار عليه. وتقول المعلومات أن قيادة الجيش أصدرت تعميما لكل الضباط والعسكريين المتواجدين في التبانة تشدد من خلاله على التعاطي الايجابي والموضوعي مع كل أبناء المنطقة بدون إستثناء، وقد ترجم ذلك أيضا بدخول الوحدات العسكرية الى تفاصيل الحياة اليومية لدى المواطنين من خلال قيامها بكثير من الأعمال الاغاثية وتقديم المساعدات العينية للأهالي، والمساهمة في إصلاح العديد من الأعطال من خلال فوج الهندسة، وذلك الى جانب ورش الطوارئ التابعة ل«جمعية العزم والسعادة» التي حلّت بدلا من البلدية ومن بعض الوزارات في إعادة الأمور الى طبيعتها في المناطق المتضررة. وتؤكد مصادر عسكرية لـ«السفير» أن أبناء التبانة شكلوا بيئة حاضنة للجيش، وهم رفضوا تغطية المجموعات المسلحة، الأمر الذي ساهم في تسهيل الدخول الى المنطقة وتعزيز الانتشار في كل أحيائها. وتلفت هذه المصادر الى أن الجيش يقوم بالمداهمات والتوقيفات حسب الأصول والقوانين المرعية الاجراء، حيث يصار الى الافراج الفوري عن كل من لا يثبت تورطه، في وقت بدأ فيه أبناء التبانة يلاحظون الفرق الكبير بين الأمن والاستقرار في عهدة شرعية الدولة، وبين التوترات التي كانت تجلبها لهم المجموعات المسلحة. وتؤكد هذه المصادر أن تجاوب الأهالي مع الاجراءات يؤكد سعيهم الى العمل والانتاج والى إعادة فتح منطقتهم أمام أبناء كل المناطق الشمالية كما كانت في السابق بما يساهم في النهوض الاقتصادي. وعلمت «السفير» أيضا أن قيادة الجيش بدأت تدرس إمكانية تطويع عدد كبير من أبناء التبانة في الجيش. وكانت المداهمات قد شملت مبنى كاملا في شارع عبد الحميد وصادرت منه أسلحة وأعتدة وذخائر، كما تم توقيف م . ب، وهو من مجموعة الشيخ خالد حبلص المتورطة بنصب الكمين للجيش في بلدة المحمرة. وتشير المعطيات الى أن التبانة مقبلة على هدوء كامل في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل المعلومات عن خروج المطلوبين أسامة منصور وشادي المولوي من المنطقة بعد شفائهما من الاصابة التي لحقت بهما خلال المعركة، حيث تشير بعض المعطيات أن التهديدات التي أطلقها المولوي قبل أيام على «تويتر» بكشف المستور، كانت تهدف الى الضغط على «من يعنيهم الامر» لتأمين خروجهما من المنطقة. ومع إقفال الملف الأمني، مبدئياً، ترتفع الأصوات في المنطقة بسبب التأخير غير المبرر للدولة في القيام بواجباتها ودفع التعويضات للمتضررين أولا، والعمل ثانيا على مسح صورة الحرب من تلك المنطقة، وإعلان إقفال «صندوق البريد الناري» فيها الى غير رجعة.