في لبنان، يملك الدروز هامشاً للمناورة. ولكن، في سوريا، ماذا يفعلون: يقاتلون مع النظام، مع المعارضة، وأيّ معارضة؟، أم يتوزَّعون وفقاً للمقتضيات، أم يختارون الحياد؟ الخيارات كلها ليست بسيطة، والأهم... ليست مجانية!

... وأخيراً، حلَّت الساعة التي كان يخشاها النائب وليد جنبلاط، ويتحضّر لتمريرها بأقلِّ الخسائر على دروز سوريا. وجاءت مجزرة عرنة التي سقط فيها 27 درزياً، في مواجهة «النصرة»، لتضع الطائفة وقادتها في لبنان وسوريا أمام إستحقاق الحسم. فـ»النصرة» تحشر الدروز ليختاروا: إما النظام وإما نحن.

يصعب على القرى الدرزية في جبل الشيخ أن تواجه تنظيماً قوياً يقاتل على مستوى سوريا. وفي المقابل، لا يستطيع الدروز دعم هذا التنظيم المتشدّد دينياً، لأنّ ذلك سيكون إستسلاماً له. ولذلك، ثمّة مَن يتوقع تطوراتٍ أكثرَ سخونة وإحراجاً للبيئة الدرزية، وهي تستدعي أن يسارع قادة الطائفة إلى انتهاج سياسةٍ تبعد الخطر.

وهناك مخاوف من إنتقال التوتر إلى البيئة الدرزية اللبنانية في حاصبيا- راشيا والبقاع الغربي. ففي الأسابيع الأخيرة، تشهد تلك البقعة إشكالات بين القرى الدرزية وسوريين إجتازوا الحدود، ويجري حصر مضاعفاتها في هدوء. وجولة جنبلاط الأخيرة على المنطقة جزءٌ من هذا المسعى.

ويوجّه جنبلاط رسائل إيجابية قوية ومتلاحقة إلى «النصرة»، لعلّ ذلك ينفع. فهو تجاوز كلّ براغماتية عندما قال إنّ «النصرة» ليست إرهابية. وهذا الموقف ليس سهلاً، فيما هذا التنظيم شريك لـ»داعش» في مواجهة الجيش وخطف العسكريين، وبينهم دروز.

وبعث جنبلاط من العرقوب، في أيلول الفائت، برسالة تجزم بأنّ الدروز مسلمون. فهو يريد إزالة أيّ مبرِّر لإضطهاد الأقلية الدرزية هناك، من باب التكفير. وقبل أيام، وجّه دعوة إلى دروز سوريا ليفكّوا إرتباطهم بالنظام. ولكن، هل «التطمينات» كافية، وهل الحياد يُرضي «النصرة» ويُجنِّب الدروز مواجهة صعبة؟

خصوم جنبلاط في الطائفة، حلفاء النظام، يسألون: هل الحياد منعَ الإعتداء على مسيحيّي العراق أو أزيدييه أو أكراد سوريا؟ وهل حياد القرى الدرزية
في جبل السمّاق- إدلب جنّبها التعديات؟ وبالنسبة إلى النائب طلال إرسلان والوزير السابق وئام وهّاب، لا خيار إلّا المواجهة مع الإرهاب!

في هذه الجدلية الدرزية، الكلمة لجنبلاط. ولذلك هو مسؤول أساساً عن دروز سوريا ولبنان معاً. فليس لدروز سوريا زعماء في حجم زعماء الدروز في لبنان. وفي عبارة أخرى، إنّ جنبلاط هو زعيم الدروز في لبنان وسوريا معاً. وعندما يُحدّد خياراته، فإنه يراعي مصالح الدروز هنا وهناك.

ويعمل جنبلاط زئبقياً بين مسايرة «حزب الله» في لبنان، لضرورات درزية لبنانية، ثم يهادن «النصرة» في سوريا لضرورات درزية سورية. وهو يريد من «الحزب» أن يتفهَّم ظروفه، وأن يفكّ الإرتباط بين الحالتين اللبنانية والسورية. ويبدو أنّ «الحزب» متفهِّم، ولكن هل تتفهَّم «النصرة»؟

وصحيحٌ أنّ جنبلاط غارقٌ في هواجس التاريخ الدرزي، لكنّ عينه على هواجس الجغرافيا، أيْ على الشريط الجغرافي الذي تنحصر فيه غالبية الدرزية السورية، من جبل الشيخ في لبنان إلى الجولان، وهو شريط محكوم بالسيطرة السنّية، ما لم يجد الدروز مَن يحميهم.

ويدرك جنبلاط أنّ النزاع في سوريا طويل الأمد، وأنّ بعض الأقليات المذهبية والطائفية والقومية يمكن أن تخسر وجودها، إذا غامرت، ولاسيما الدروز والمسيحيون.

وفي نواميس الطبيعة، وسائل الدفاع معروفة: القتال، الهروب أو التمْويِه. فالأولى صعبة على أقلية مستضعفة، والثانية غير مقبولة. أما الثالثة فواقعية وتبقى أهوَنَ الشرور.

ولذلك، لا وقت للمهاترات الداخلية، بالنسبة إلى جنبلاط. فالمرحلة مصيرية ويجب تمريرها بأقلِّ الخسائر، بالتمديد ورئيس توافقي إذا أمكن، ولكن تحت سقف الإستقرار. وهذا ما حاول شرحه لزعماء المسيحيين في جولاته الأخيرة.

من خلال «تويتر»، وجد جنبلاط وسيلة للوصول صاروخياً إلى الجميع، وعبر الحدود. لكنّ تغريداته التي يغلِّفها بروح الدعابة أو التحدّي أحياناً، مسكونة بالخوف العتيق على المصير. إنه وادي الخوف الذي يعبره الدروز مع آخرين، والذي يربط بين جبلين: جبل الدروز وجبل لبنان.