بعد سنوات من التردُّد والمراقبة والمتابعة والتقويم وبين الإحجام والإقدام، وضعت االإدارة الأميركية برئاسة باراك أوباما خطة لمحاولة معالجة بعض جوانب الحرب الأهلية – المذهبية الدائرة في سوريا، تضمّنت عناصر خمسة. أولها، تجنيد مقاتلين من اللاجئين السوريين أو النازحين إلى دول الجوار مثل تركيا والأردن ولبنان وغيرها. وثانيها، تأمين التدريب العسكري الأساسي لهم في المملكة العربية السعودية أو ربما في المملكة الأردنية الهاشمية. وثالثها، تكوين فرقة أولية من خمسة آلاف مقاتل وبدء نشر بعضها في الداخل السوري، بعد ستة أشهر من تأليفها إلى أن يكتمل انتشارها تدريجاً. ورابعها، استعمال الانتشار الأول المشار إليه للدفاع عن المناطق التي يسيطر عليها الثوار، والتي يهددها تنظيم "داعش" بالاحتلال، وذلك إلى أن تصبح القوة الهجومية جاهزة للعمل، ولن يكون ذلك قبل 18 شهراً من تأسيسها. وخامسها تأسيس هيكل قيادة للقوة وتأمين نوع من الاتصال أو الربط بينها وبين كيان معارض ما. هل الخطة المذكورة قادرة على مواجهة الأوضاع البالغة التدهور في سوريا؟ تواجه هذه الخطة في رأي متابعين وباحثين أميركيين مشكلات عدة أبرزها ثلاث. الأولى برنامجها المطوَّل، وذلك بعكس الأفرقاء السوريين المنخرطين في الحرب مثل المعارضة والنظام و"داعش" وغيرهم الذين عندهم قيادات جدية ومعروفة وقادرة على القيادة وعلى تحديد إيقاعات تحرّك قواتها وضبطها في الوقت نفسه. والمشكلة هنا تكمن في أن القوة التي لا تمتلك برنامجاً قادراً على تحقيق نتائج خلال أشهر قد تتعرَّض إلى أخطار كثيرة. ذلك أن أحداثاً كثيرة كبيرة وخطيرة قد تحصل خلال ستة اشهر، أي قبل نزول الدفعة الأولى من الخمسة آلاف مقاتل "معتدل"، الذين تدرِّبهم أميركا، إلى الساحة. وفي هذه الأثناء تكون حصلت تطورات عسكرية وجغرافية عدة مثل استعادة النظام مناطق أو مدن، أو احتلال "داعش" مناطق أو مدن، أو نجاح معارضين آخرين في الاحتفاظ بمواقع وخسارتهم أخرى. وطبعاً لا أحد يتوقع في هذه الأثناء اندحار "داعش" أو تلقيها ضربات موجعة من "قوة المعتدلين" الأمر الذي يجعل دورها غير ذي معنى. والمشكلة الثانية هي أن تكوين قوة سورية معتدلة لمحاربة "داعش" فقط لا يتماشى مع طبيعة العمليات العسكرية الدائرة في سوريا. فالثوار يحاربون على جبهتين، واحدة مع النظام وأخرى مع "داعش". علماً أنهم مؤمنون بأن حربهم على النظام هي الأهم لهم ولمستقبل بلادهم على رغم أنها تكون دفاعية حيناً وهجومية حيناً آخر. وهؤلاء لن يتخلوا عن قتال النظام ورئيسه الأسد أياً تكن الضغوط والمغريات. وهذا ما يجب ألا تتجاهله واشنطن. ذلك أن استراتيجيا "العراق أولاً" و"الإرهاب دائماً" لا بد أن تُعقِّدها طبيعة الحرب السورية. أما المشكلة الثالثة فهي عدم تناسب حجم القوة التي ستشكل (5000 مقاتل) مع المهمة التي ستناط بها. فـ"داعش" لديه في سوريا من عشرة إلى خمسة عشر ألف مقاتل، عدا القوات المحلية المتحالفة معه. وهذا يعرِّض "القوات المعتدلة" بعد انتشارها فرقاً صغيرة إلى أمرين. الأول التدمير على يد قوات مركَّزة من "داعش". والثاني تعريض مناطق عدة إلى سيطرة إما قوات النظام وإما قوات "داعش". إلى ذلك كله، يقول المتابعون والباحثون الأميركيون، إن الغارات الجوية الأميركية وغارات التحالف لن تمنع فشل القوة التي تدعمها ولا سيما في ظل رفضها إنزال قوات عسكرية على الأرض السورية وإن على نحو محدود. ويقولون أيضاً إن نوعية سلاحها سيكون له دور في مصيرها، فإذا كان ضعيفاً فانه سيكون الفشل حتماً. ويقولون ثالثاً إن أميركا لم تحدِّد حتى الآن طريقة دعم القوة التي تبنيها أو ستبنيها، ومن شأن ذلك إفقاد أفراد القوة حماستهم ودافعهم، الأمر الذي يجعلهم عاجزين عن تحقيق أي نصر في ساحة المعركة، وتالياً طريدة سهلة لـ"الضواري" مثل "داعش" والنظام وغيرهما. وربما يكون الأفضل، يستطرد هؤلاء، هو التعاون مع المقاتلين المعتدلين وتنظيمهم في هيكلية معينة، ومساعدتهم بالطرق المناسبة على رغم سلبياتهم التي لا بد من تحمُّلها. كما أن الأفضل هو جعل مهمة هؤلاء محاربة "النظام" والارهابيين في وقت واحد. هل يحصل ذلك؟ لا جواب عند أحد، وخصوصاً في ظل غياب استراتيجيا وسياسة تطبيقية واضحة لها عند أميركا. وقد سُئل على ما يقول عارفون أحد المسؤولين فيها: لماذا أبديتم استعداداً لمساعدة الثوار المعتدلين بـ500 مليون دولار؟ فكان الجواب: لكي نظهر اهتماماً فقط لا غير.