بعد الانجاز الذي حققه الجيش اللبناني بانهاء معارك الأسواق والتبانة في طرابلس وبحنين ـ المنية بسرعة قياسية والذي أعاد دورة الحياة شبه الطبيعية إلى أحياء المدينة، باستثناء تلك التي كانت مسرحاً للمعارك، لتستعيد عاصمة الشمال بذلك استقرارها، يواجه الجيش سلسلة من التحديات أبرزها:
ـ هروب المسلحين ومحاولة بعض الأطراف ستغلال هذا الهروب سياسيا للتخفيف من وهج الانجاز العسكري الذي تحقق.
ـ طول أمد المواجهات مع الارهابيين، خصوصا أن المسلحين الهاربين قد يلتحقون بخلايا نائمة أو مجموعات ناشطة، قد تستبدل "حلم الامارة" باعتداءات انتقامية على غرار ما تعرض له الجيش بعد القضاء على تنظيم "فتح الاسلام" في مخيم البارد وهروب أميره شاكر العبسي وعدد من قياداته.
ـ عودة اللغة السياسية المزدوجة لدى بعض التيارات السياسية التي وجدت أن إنجازات الجيش قد تؤثر في حضورها الشعبي الذي قام خلال المرحلة السابقة على التحريض السياسي المباشر ضد الجيش.
ـ التواجد العسكري الكثيف للجيش في التبانة وفي مناطق لم يعتد أبناؤها على رؤية البدلات المرقطة، وهذا الأمر يحتاج خطوات إنمائية وتعويضات مالية سريعة جدا، تساعد الجيش على استكمال ما بدأه في المنطقة وصولا الى جعلها منزوعة السلاح.
وشكلت زيارة قائد الجيش العماد جان قهوجي الى طرابلس، أمس، حيث تفقد الوحدات العسكرية العاملة فيها وقدم التعازي لعائلات الشهداء، إشارة واضحة إلى إصرار المؤسسة العسكرية على إتمام مهماتها في استعادة هيبة الدولة والقضاء على بؤر الارهاب، وهي ساهمت في رفع معنويات العسكريين الذين ينتشرون في شوارع طرابلس منذ سنوات عدة ويقومون بمهام كان من المفترض أن تقوم بها قوى أمنية أخرى.
وعلمت "السفير" من مصادر مواكبة للزيارة أن قهوجي أكد للعسكريين أن "الحرب على الارهاب ستكون بلا هوادة، وأنه لولا هذه الحرب الاستباقية التي شنها الجيش على المجموعات المسلحة لكانت اجتاحت البلد"، منوها بكفاءة الوحدات العسكرية كافة وجهودها المميزة.
وأشارت مصادر عسكرية الى أن الجيش سيواصل إجراءاته العسكرية في التبانة بهدف إعادة الأمن والاستقرار إليها بشكل ثابت ونهائي بما يمكنها من استعادة حياتها الطبيعية.
وتابع الجيش مداهماته بحثا عن المسلحين الفارين، وقد أقدم كل من: شعيب عمر صعب وعبد الرحيم أحمد حسن وعلي أحمد سعد، على تسليم أنفسهم للجيش الذي أوقف أيضاً أربعة أشخاص آخرين للاشتباه في علاقتهم بالمجموعات المسلحة، بالإضافة الى توقيف المدعو نبيل خضر المير المطلوب بتهمة تأليفه عصابة سلب بقوة السلاح.
وشهد صباح أمس حركة سياسية لافتة قبيل انعقاد جلسة مجلس الوزراء من أجل الضغط لإقرار دفعة وازنة من التعويضات تشعر أبناء طرابلس باحتضان الدولة لهم، وقد تولى توفيق سلطان جزءاً من هذه الاتصالات فاطلع من رئيس الهيئة العليا للاغاثة اللواء محمد خير على الاحتياجات.
ثم اتصل سلطان بالرئيس نبيه بري وأبلغه أن ما حصل في طرابلس هو عدوان خارجي من الارهاب الذي يضرب المنطقة ويستهدف لبنان من بوابة طرابلس التي أثبتت رغم كل الافتراءات أنها حاضنة للجيش والدولة التي يجب أن تثبت أيضا أنها حاضنة لطرابلس، متمنيا عليه الطلب من وزير المال علي حسن خليل التعاطي الايجابي مع مسألة التعويضات.
وأكد الرئيس بري أن "تعويضات طرابلس في رقبتي، وهي يجب أن تصرف تباعا لكي يصار الى إزالة آثار الأحداث بالسرعة القصوى وإعادة الناس الى منازلهم ومحالهم التجارية".
ثم وضع سلطان الرئيس تمام سلام بجو الاتصالات التي أجراها، كما اتصل بالرئيس نجيب ميقاتي الذي كرر استعداد "جمعية العزم والسعادة" للمساهمة في إعادة ترميم جزء من الأسواق، مشددا على ضرورة أن تقوم الدولة بواجباتها في المدينة.

ميقاتي: المدينة منكوبة

أكد الرئيس نجيب ميقاتي أن "طرابلس اثبتت أنها مع الجيش اللبناني وتسانده وتدعمه"، متمنيا على الجيش ان "يقوم بجهد اضافي كي يشعر المواطن الطرابلسي ان الجيش بقربه ولخدمته". وشدد على ان "أي شخص يرفع السلاح في وجه الدولة لا ينتمي الى المدينة بأي شكل من الاشكال". وقال: "نحن نعطي الجيش التغطية اللازمة لاستتباب الأمن، ودوره ان يعمل على تثبيت الأمن ويترك الساحة بعد ذلك لقوى الامن الداخلي لتقوم بدورها".
أضاف: "الاولوية هي لقيام الدولة بواجباتها، وعندها يمكننا توظيف قدراتنا الذاتية في خدمة إعمار المدينة من جديد، لأن ابن طرابلس يجب ألا يشعر بأن الدولة جاهزة لاعادة الإعمار في اي منطقة لبنانية الا في طرابلس".
وأشار ميقاتي، في مؤتمر صحافي عقده في مكتبه في بيروت، الى أن المدينة منكوبة ماديا ومعنويا وهناك دمار كبير، يصعب على اي فريق ان يقوم بمفرده بإعادة إعماره".
وأوضح أنه سمع شكاوى عدة في طرابلس عن توقيف شبان عاديين في طرابلس لمجرد انهم ملتحون ولا احد يعرف مكان توقيفهم، وطالب "بالعدالة السريعة، ومن يثبت تورطه بأي اخلال بالأمن فليتخذ بحقه الاجراء المناسب، ولكن لا يجوز ان يشعر المواطن بالخوف الدائم وبأن هناك هوة كبيرة بينه وبين الدولة. بلغني ان اكثر من 400 شاب هم قيد التوقيف، فإذا كان هذا التوقيف ضمن الاصول فليكن، ولكن نطلب الاسراع في احالتهم على القضاء ليكون للعدالة الدور الاساسي".

الحريري: 20 مليون دولار
للمناطق المتضررة

من جهة ثانية، أعلن الرئيس سعد الحريري تخصيص مبلغ عشرين مليون دولار، للمناطق التي تضررت في طرابلس، وفي باب التبانة خصوصا، ومنطقة بحنين في المنية، اضافة الى سائر المناطق التي شهدت مواجهات عسكرية في الشمال.
وقال الرئيس الحريري: "ما من شيء يمكن ان يعوض الأهل الطيبين في طرابلس والشمال، الخسائر التي طاولت ارواح الأبرياء من الشباب والأطفال والنساء، وأوقعت الإصابات البالغة في صفوف العديد منهم".
وعبر الرئيس الحريري عن تقديره واعتزازه بأبناء هذه المناطق، "لا سيما بأهل التبانة والأسواق القديمة في طرابلس، الذين واجهوا باللحم الحي تلك الظروف الأمنية القاسية، ورفضوا ان يكونوا قاعدة لأدوات التطرف في مواجهة الجيش اللبناني والخروج عن منطق الدولة". ورأى ان "الموقف الوطني المسؤول لأهل طرابلس والشمال هو الذي حسم الامر في النهاية وشكل الرد المطلوب على النافخين في رماد التحريض والباحثين عن اي وسيلة لتبرير مشاركتهم في الحرب السورية ووقوفهم الى جانب النظام القاتل لبشار الاسد".
وأوضح الرئيس الحريري انه قرر تكليف فريق عمل من المهندسين واصحاب الاختصاص في تيار "المستقبل" لإعداد الدراسات ووضع المساعدة موضع التنفيذ السريع، مشددا على ان "الدولة ستبقى في النهاية ملاذ الجميع".
وتعهّد الحريري بمشاركة أبناء طرابلس "مسؤولية النهوض بمدينتهم ومناطقهم، لنتقدم معا خطوط الدفاع عن الاعتدال في وجه التطرف وعن الدولة ومؤسساتها في وجه الفوضى".